نتيجة:

فتاوى الحج من دار الافتاء المصرية مهم جدا للفائزين بقرعة الحج

فتاوى الحج من دار الافتاء المصرية
حكم نفقات من حج عن غيره إذا أُحْصِر

فتاوى الحج من دار الافتاء المصرية مهم جدا للفائزين بقرعة الحج

سأل شخص فيمن أُمر بالحج عن الغير، فقصد الحج، حتى إذا قارب الوصول إلى أرض الحجاز حصل له مانع سماوي، مثل: اصطدام السفينة بشعب في البحر، بحيث أحصر مدة، إلى أن نقل إلى سفينة أخرى أوصلته إلى أرض الحجاز، وعند وصوله قبل إحرامه وجد الحج قد فاته، ثم رجع إلى وطنه الذي خرج منه. فهل - والحالة هذه - يضمن ما صرفه في الرجوع، أم يحسب من بدل الحج المأمور به؛ لداعي إحصاره بالعارض السماوي، أم كيف الحال؟ أفيدوا الجواب. قالوا: "إن الحاج عن الغير إن قطع عليه الطريق، وبقي شيء في يده من مال الميت، فرجع وأنفق على نفسه في الرجوع، ولم يحج؛ لا يكون ضامنًا إذا لم تذهب القافلة"، وهو صريح في عدم الضمان في حادثتنا، فإن الحج فاته بسبب إحصاره في الطريق على غير اختياره، وذلك بمثابة قطع الطريق عليه، وعدم ذهاب القافلة، فما أنفقه في الرجوع لا ضمان عليه فيه؛ لأنه منع عن الحج بما طرأ عليه من الإحصار الذي أوجب الفوات متى كان ذلك المنع أمرًا ظاهرًا يشهد على صدقه؛ وذلك لوجوب نفقته على آمره بالحج، ألا ترى أنه لو استؤجر رجل ليذهب لموضع كذا ويدعو فلانا بأجر مسمى فذهب للموضعفلم يجد فلانا؛ فإنه يجب الأجر بالذهاب؛ إجماعًا، كما ذكره الأتقاني وغيره، فيستأنس به؛ لما قلنا. والله سبحانه وتعالى أعلم

إذا انتقض وضوء الطائف أثناء طوافه فماذا عليه أن يفعل؟

قال العمراني في "البيان في مذهب الإمام الشافعي" (4/ 275): [فإن أحدث في أثناء الطواف.. نظرت: فإن كان عامدا.. ففيه وجهان: [أحدهما]: قال القاضي أبو الطيِّب: تبطل طهارته وما مضى من طوافه، كما إذا أحدث في الصلاة عامدا، و[الثاني]: قال الشيخ أبو حامد: تبطل طهارته، ولا يبطل ما مضى من طوافه، فإن كان الماء قريبا منه توضأ، وبنى على طوافه، وإن كان الماء بعيدا منه فهل يبني على ما مضى من الطواف أو يستأنفه؟ فيه قولان: [الأول]: قال في القديم: (يستأنف)؛ لأنه عبادة تتعلق بالبيت، فأبطلها التفريق الكثير، كالصلاة، و[الثاني]: قال في الجديد: (يبني على ما مضى من طوافه)؛ لأنها عبادة لا يبطلها التفريق القليل، فلم يبطلها التفريق الكثير كالزكاة، وعكسه الصلاة]، والله أعلم.

خروج الدم أثناء الإحرام

اطلعنا على الطلب الوارد إلينا عن طريق الإنترنت– المقيد برقم 697 لسنة 2004م والمتضمن: عن كيفية الإحرام وأداء العمرة مع وجود جرح في باطن القدم يدمى عند المشي ولا يجف بسبب الإصابة بالسكر والسيولة في الدم. خروج الدم من غير السبيلين القبل والدبر لا ينقض الوضوء، وهذا مذهب الإمام مالك والشافعي وفقهاء أهل المدينة السبعة وغيرهم؛ واستدلوا بحديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: ((أن رجلين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حرسا المسلمين في غزوة ذات الرقاع، فقام أحدهما يصلي، فرماه رجل من الكفار بسهم فنزعه وصلى ودمه يجري، وعلم به النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فلم ينكره)). أخرجه أحمد وأبو داود، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وذكره البخاري تعليقًا. وقال الحسن البصري: "مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ" رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح، وعلقه البخاري. وبناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فعلى المصاب بذلك أن يتوضأ ويعصب جرحه، ولا حرج عليه في إحرامه، ولا في طوافه، ولا يتوضأ بسبب ذلك إلا إذا أحدث. والله سبحانه وتعالى أعلم.

لبس الحذاء الطبي أثناء المناسك

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 113 لسنة 2004 والمتضمن: أنه معاق وأن ساقه اليسرى أقصر من اليمنى، وأنه يقوم بتعويض ذلك بحذاء طبي، وقد أكرمه الله سبحانه بالحج هذا العام، فهل يجوز له لبس الحذاء الطبي وهو يؤدي المناسك داخل المسجد الحرام من طواف وسعي وهل عليه فدية في ذلك أم لا؟ وهل رباط الحذاء يعتبر مخيطًا أم لا؟ يجوز لبس الحذاء الطبي، وربطه برباطه المعد إليه في مثل حالة السائل؛ لأن هذه ضرورة، و"الضرورات تبيح المحظورات"؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]؛ ولقوله عز وجل: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾ [المائدة: 6]، ولقول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: �لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ�. وأنه على صاحب السؤال الذي يرتدي الحذاء الطبي أن يخرج فدية من صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، وله إخراج القيمة لكل مسكين ما يساوي خمسة جنيهات تقريبًا بالعملة المصرية، أو بذبح شاة، وذلك قياسًا على من غطى رأسه لمرض بها، أو أي أذى يلحقه؛ لقوله سبحانه وتعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: 196]. ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم.

حكم الحج في عدة الوفاة

اطلعنا على الطلب الوارد من/ ................. بتاريخ: 20/8/2015م المقيد برقم 233 لسنة 2015م، والمتضمن: توفي زوجي بتاريخ 17/7/2015م الموافق للأول من شوال وكنت قد تقدمت لوزارة السياحة للحج وقبل الطلب ودفعت مبلغ 20000 عشرين ألف جنيه قبل وفاة زوجي، فهل يجوز لي الحج في أشهر العدة مع العلم بأنها الحجة الثانية، وأنني قد أديت فريضة الحج سابقًا. من المقرر شرعًا أنه يجب على المرأة المتوفَّى عنها زوجُها أن تتربص وتعتد أربعة أشهر وعشرة أيام؛ لقوله تعالى: ﴿والذين يُتَوَفَّونَ منكم ويَذَرُونَ أَزواجًا يَتَرَبَّصنَ بأَنفُسِهنَّ أَربَعةَ أَشهُرٍ وعَشرًا فإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فلا جُناحَ عليكم فيما فَعَلنَ في أَنفُسِهنَّ بالمَعرُوفِ واللهُ بما تَعمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: 234]. وجماهير الفقهاء على أنَّ السُّكنَى من لوازم الاعتداد؛ فتمكث المعتدة مدة عدتها في بيتها، فلا تخرج لحج ولا لغيره؛ واستدلوا على ذلك بحديث الفُرَيعةِ بنتِ مالِكِ بنِ سِنانٍ -وهي أُختُ أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ رضي الله عنهما- أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَمَرَها أَن تَمكُثَ في بيتها حتى تَنتَهِيَ عِدَّتُها. رواه الإمام مالِكٌ في المُوَطَّأِ، والشّافعيُّ عنه، وأَحمَدُ وأَبُو داوُدَ والتِّرمِذِيُّ والنَّسائِيُّ وابنُ ماجه وصححه ابنُ حِبّانَ والحاكِمُ. ونُقِل عن بعض السلف مِن الصحابة والتابعين: أن السُّكنى ليست مِن العدة، فيجوز للمعتدة أن تعتد حيث شاءت، ولا يحرُم عليها أن تحج أو تعتمر في عدتها؛ رُوِيَ ذلك عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وأم المؤمنين عائشة، وجابر بن عبد الله، رضي الله عنهم. وبه قال الحسن البصري، وجابر بن زيد، وعطاء بن أبي رباح، وإليه ذهب الظاهرية. وحجتهم: أن الآية دلت على وجوب العدة لا على وجوب السُّكنى للمعتدة، وأجابوا عن الحديث بأنه ضعيف، وأنه على فرض صحته فإنه واقعة عين. وقد نص العلماء على أن من شرط الحج للمرأة أن لا تكون في عدة وفاة أو طلاق، فإن خالف وحجَّت صح حجُّها وكانت آثمة. واستثنى الفقهاء من ذلك: ما إذا كانت المرأة قد أحرمت بالحج، أو كانت قد سافرت. فنص فقهاء الحنفية: على أنها إن كانت حين مات زوجها مسافرة وكان بينها وبين مصرها مدةُ سفر -أي ثلاثة أيام فأكثر- فإنها ترجع إلى بيتها لقضاء مدة العدة، وإن كان بينها وبين مقصدها أقل من سفر ثلاثة أيام مضت إلى مقصدها. وعند المالكية: أنها إن مات زوجها وقد خرجت لحجة الإسلام وكان بعدُها عن منزلها أربعة أيام فأقل رجعت وجوبًا لتعتد بمنزلها إن بقي شيء من العد، فإن زاد على هذا لم ترجع بل تستمر. وعند الشافعية: أنها إن كانت مسافرة فمات زوجها فلها الخيار في أن تمضي لسفرها ذاهبة وجائية وليس عليها أن ترجع إلى بيته قبل أن تقضي سفرها. وعند الحنابلة: قال الإمام ابن قدامة الحنبلي [ت620هـ] في "المغني" (8/168، ط. مكتبة القاهرة): [ولو كانت عليها حجة الإسلام، فمات زوجها، لزمتها العدة في منزلها وإن فاتها الحج؛ لأن العدة في المنزل تفوت، ولا بدل لها، والحج يمكن الإتيان به في غير هذا العام. وإن مات زوجها بعد إحرامها بحج الفرض، أو بحج أذن لها زوجها فيه، نظرت؛ فإن كان وقت الحج متسعا، لا تخاف فوته، ولا فوت الرفقة، لزمها الاعتداد في منزلها؛ لأنه أمكن الجمع بين الحقين، فلم يجز إسقاط أحدهما، وإن خشيت فوات الحج، لزمها المضي فيه. وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: يلزمها المقام وإن فاتها الحج؛ لأنها معتدة، فلم يجز لها أن تنشئ سفرا، كما لو أحرمت بعد وجوب العدة عليها. ولنا: أنهما عبادتان استويا في الوجوب، وضيق الوقت، فوجب تقديم الأسبق منهما، كما لو كانت العدة أسبق؛ ولأن الحج آكد؛ لأنه أحد أركان الإسلام، والمشقة بتفويته تعظم، فوجب تقديمه كما لو مات زوجها بعد أن بَعُدَ سفرها إليه] اهـ. وقال الإمام أبو المظفر بن هبيرة الحنبلي [ت560هـ] في كتابه "اختلاف الأئمة العلماء" (2/199، ط. دار الكتب العلمية): [واختلفوا في المتوفى عنها زوجها وهي في الحج: فقال أبو حنيفة: يلزمها الإقامة على كل حال إن كانت في بلد أو ما يقاربه. وقال مالك والشافعي وأحمد: إذا خافت فواته إن جلست لقضاء العدة جاز لها المضيُّ فيه] اهـ. وبناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فما دامت السائلة قد سددت رسوم الحج ونفقاته ومصروفاته الباهظة في حياة زوجها، ولم يَعُدْ بإمكانها استردادُها، فإنه يجوز لها أن تسافر للحج في العدة؛ لأن اختيارها والإذن لها بالسفر ودفعها لنفقات الحج الباهظة التي لا تُسْتَرَدُّ هو بمثابة دخولها في السفر ومُضِيِّها فيه، والرخصة في ذلك كالرخصة عند خوف فوت الرفقة، ودرء المشقة الحاصلة من تفويت الحج أعظم من جلب مصلحة الاعتداد في المنزل، فكان تقديم الحج أَوْلَى لا سيما وقد دخلت في مقدماته في حياة الزوج وبإذنه، ولا يخفى أن من مقاصد الشريعة الغرَّاء رفع الضرر عن المكلفين ودفع المشاقِّ عنهم، وقد تقرر في قواعد الفقه أن المشقة تجلب التيسير، وأنه إذا ضاق الأمر اتسع. هذا بالإضافة إلى أن ضياع هذا المبلغ الباهظ من المال عليها هو ضرر يجب رفعه ومشقة تستوجب تيسيرًا، وقد تقرر أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة، وسفر المعتدة للحج وإن كان محظورًا في الأصل إلا أن الحفاظ على المال الذي دفعته في نفقات الحج هو ضرورة تبيح هذا المحظور؛ لأن المال من الكليات الخمس العليا التي يجب الحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية.والله سبحانه وتعالى أعلم

لبس الحذاء الطبي أثناء المناسك

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 113 لسنة 2004 والمتضمن: أنه معاق وأن ساقه اليسرى أقصر من اليمنى، وأنه يقوم بتعويض ذلك بحذاء طبي، وقد أكرمه الله سبحانه بالحج هذا العام، فهل يجوز له لبس الحذاء الطبي وهو يؤدي المناسك داخل المسجد الحرام من طواف وسعي وهل عليه فدية في ذلك أم لا؟ وهل رباط الحذاء يعتبر مخيطًا أم لا؟ يجوز لبس الحذاء الطبي، وربطه برباطه المعد إليه في مثل حالة السائل؛ لأن هذه ضرورة، و"الضرورات تبيح المحظورات"؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]؛ ولقوله عز وجل: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾ [المائدة: 6]، ولقول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: �لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ�. وأنه على صاحب السؤال الذي يرتدي الحذاء الطبي أن يخرج فدية من صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، وله إخراج القيمة لكل مسكين ما يساوي خمسة جنيهات تقريبًا بالعملة المصرية، أو بذبح شاة، وذلك قياسًا على من غطى رأسه لمرض بها، أو أي أذى يلحقه؛ لقوله سبحانه وتعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: 196]. ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم.

تقديم السعي للمتمتعا

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 218 لسنة 2004م والمتضمن السؤال عن جواز تقديم السعي للتمتع. من شروط السعي أن يكون بعد طواف صحيح، ولو نفلا عند الحنفية، وكذا المالكية، وسمّوا ذلك ترتيبًا للسعي، لكن المالكية فصلوا بين الشرط والواجب في سبق الطواف للسعي، فقالوا: يشترط سبق الطواف -أيّ طواف، ولو نفلًا- لصحة السعي، لكن يجب في هذا السبق أن يكون الطواف فرضًا، ومثله الواجب، ونوى فرضيته أو اعتقدها، وطواف القدوم واجب عندهم، فيصح تقديم السعي على الوقوف بعد طواف القدوم. فلو سعى بعد طواف نفل فلا شيء عليه عند الحنفية. أما عند المالكية فلو كان الطواف نفلًا أو نوى سنيته، أو أطلق الطواف ولم يستحضر شيئًا، أو كان يعتقد عدم وجوبه لجهله، فإنه يعيد الطواف وينوي فرضيته أو وجوبه إن كان واجبًا، ثم يعيد السعي ما دام بمكة، أما إذا سافر إلى بلده فعليه دم. ومذهب الشافعية والحنابلة أنه يشترط أن يكون السعي بعد طواف ركن أو قدوم، ولا يُخل الفصل بينهما، لكن بحيث لا يتخلل بين طواف القدوم والسعي الوقوف بعرفة، فإن تخلل بينهما الوقوف بعرفة لم يجزئه السعي إلا بعد طواف الإفاضة، ودليلهم في ذلك: فعله -صلى الله عليه وآله وسلم- فإنه قد سعى بعد الطواف، وورد عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: �لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ� رواه مسلم، وَرُوِيَ عن عطاء، وداود الظاهري وبعض أهل الحديث عدم اشتراط تقدم الطواف، وفي رواية عن أحمد: لو سعى قبل الطواف ناسيًا أجزأه. واستدلوا بما رواه أبو داود بإسناد صحيح عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: �خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حَاجًّا فَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَهُ فَمَنْ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ، أَوْ قَدَّمْتُ شَيْئًا أَوْ أَخَّرْتُ شَيْئًا، فَكَانَ يَقُولُ: لا حَرَجَ، لا حَرَجَ، إِلَّا عَلَى رَجُلٍ اقْتَرَضَ عِرْضَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ وَهُوَ ظَالِمٌ فَذَلِكَ الذي حَرِجَ وَهَلَكَ�، والجمهور حملوا هذا الحديث على أن قوله: �سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ�، أي سعيت بعد طواف القدوم وقبل طواف الإفاضة. وبناءً على ما سبق: فإنه يجوز للمتمتع تقديم السعي بعد طواف القدوم، بل لو حصل منه السعي قبل الطواف أصلًا ثم سافر إلى بلده فإنا نرى أن ذلك يجزئه إن شاء الله تعالى؛ عملًا بظاهر حديث أبي داود السابق، أخذًا برخصة من رخص في ذلك من العلماء. والله سبحانه وتعالى أعلم.

هل يجوز للحاج أن يغادر المزدلفة بعد منتصف الليل

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 3189 لسنة 2005م المتضمن: هل يجوز للحاج أن يغادر المزدلفة بعد منتصف الليل؟ المبيت بالمزدلفة واجب عند الجمهور، ويحصل الواجب بالبقاء بها ولو للحظة بعد منتصف الليل؛ لأن الحاج بذلك يكون قد قضى أكثر من نصف الليل بها، فيصدق عليه أنه بات بها، وإن كان المسنون البقاء بها إلى أن يصلي الفجر ثم يقف بالمشعر الحرام للدعاء حتى قبيل شروق الشمس، ثم يدفع إلى منى لرمي جمرة العقبة، وورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص للضعفة وللنساء ولأصحاب الأعمال بالدفع بعد منتصف الليل تخفيفًا عليهم ورعاية لخصوص أحوالهم، وفي معنى ذلك كل من يشق عليه الزحام؛ روى البخاري عن ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: �أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ�. والله سبحانه وتعالى أعلم.

هل يجوز للحاج أن يدفع من المزدلفة إلى مكة لطواف الإفاضة قبل أن يرمي جمرة العقبة ؟

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 3189 لسنة 2005م المتضمن: هل يجوز للحاج أن يدفع من المزدلفة إلى مكة لطواف الإفاضة قبل أن يرمي جمرة العقبة ؟ تتلخص أعمال يوم النحر في رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة -إن لم يقدم السعي بعد طواف القدوم- ونحر الهدي للمتمتع والقارن من غير أهل مكة. ويجوز للحاج أن يقدم بعض الأعمال على بعض -بما في ذلك فعل طواف الإفاضة قبل جمرة العقبة-؛ لما ورد عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما �أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا ، ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ، نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ، لَهُنَّ كُلِّهِنَّ فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ� رواه الشيخان وغيرهما. والله سبحانه وتعالى أعلم.

التوجه إلى عرفات يوم الثامن من ذي الحجة بدلاً من منى

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 3189 لسنة 2005م المتضمن: هل يجوز للحاج أن يتوجه إلى عرفات يوم الثامن من ذي الحجة بدلًا من التوجه لمنى؛ وذلك نظرًا للزحام الشديد الذي يحصل عند الصعود إلى عرفات؟ يوم الثامن من ذي الحجة هو يوم التروية، وسمي بذلك لأن الحجيج كانوا يستريحون فيه في منى ويُرِيحون فيه دوابهم وهَديهم ويروونها بالماء في طريقهم إلى عرفة استعدادًا لأعمال هذا اليوم العظيم وما بعده من أعمال يوم النحر وأيام التشريق، ويُسَنُّ فقط -ولا يجب- للحاج أن يذهب فيه إلى منى في الضحى، ويصلي فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء مع قصر الصلاة الرباعية فقط وبدون جمع، ويبيت فيها ليلة عرفة، ثم يصلي فيها الفجر وينطلق إلى عرفة في الضحى أيضًا، فإن فعل خلاف هذا وذهب إلى عرفة من يوم الثامن خوفًا من الزحام فلا شيء عليه وحجه صحيح، غاية الأمر أنه قد ترك مستحبًّا، بل وتركه لعذر، فعسى أن يأخذ ثواب الشيء الذي لولا العذر لفعله، وإنما الجبران يكون بترك الواجب لا السنة. والله سبحانه وتعالى أعلم.

الإحرام من داخل مكة

اطلعنا على الطلب الـوارد إلينا عن طريق الإنترنت – المقيـد برقـم 291 لسنة 2004 م المتضمن: هل يجوز أن أدخل مكة بنية الحج وأن ألبس ملابس الإحرام داخل مكة وذلك خوفًا من أن يمنعوني من دخول مكة لعدم تمكني من عمل تصريح بالحج؟ وماذا يكون على من فداء في هذه الحالة؟ إذا كان الحال كما ورد بالسؤال فمن المقرر فقهًا أن من كان له عذر واحتاج إلى ارتكاب محظور من محظورات الإحرام غير الوطء -كحلق الشعر ولبس المخيط ونحو ذلك- لزمه أن يذبح شاة أو يطعم ستة مساكين كل مسكين نصف صاع أو يصوم ثلاثة أيام وهو مخير بين هذه الأمور الثلاثة ولا يبطل الحج بارتكاب شيء من المحظورات سوى الجماع . عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن كعب بن عجرة: �أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَقَالَ: قَدْ آذَاكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْلِقْ ثُمَّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكًا، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ� رواه البخاري ومسلم وأبو داود . ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم.

التبرع للغير لأداء مناسك الحج والعمرة

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 535 لسنة2004 والمتضمن: أن السائل يقول: زوجتي تعمل ولها دخل مستقل ووالدها رجل طاعن في السن وغير قادر ماديًّا على أداء مناسك الحج والعمرة، وولداه الذكور غير قادرين على مساعدته في ذلك، وتريد زوجتي وأنا أتفق معها على تخصيص المال الكافي من ذمتها المالية لأبيها حتى يتمكن من أداء مناسك الحج والعمرة. وأنا وزوجتي أدينا فريضة الحج والحمد لله، هل يجوز شرعًا أن يحج أو يعتمر والد زوجتي على نفقتها؟ لا مانع شرعًا من أن يحج أو يعتمر والد الزوجة على نفقتها الخاصة، فهذا من البر والإحسان وصلة الرحم وأنه بمجرد تبرع المال للحج من المتبرع أيًّا كان يصبح المال ملكًا للمتبرع إليه وبه تتحقق الاستطاعة المطلوبة في الحج تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]. ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم.

لفُّ حقيبة من المخيط على ملابس الإحرام

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 119 لسنة 2004 المتضمن: أن السائل لديه اختراع تحت اسم "المتاع" عبارة عن حقيبة معلقة يلف على وسط المحرم يضع فيها النعال وما يستخدمه أثناء إحرامه. ويسأل: هل يجوز استخدامه داخل الحرم الشريف وغيره أثناء الإحرام رغم أنه يُستخدم في صناعته خيوط؟ من أركان الحج الإحرام، وقد وضع الشرع الشريف ضوابط للإحرام الذي عليه الحاج أثناء حجه أو عمرته، وضمن هذه الضوابط ألا يكون مخيطًا، والمخيط هو الذي يعد للبس في الأمور العادية من تفصيل على البدن مستعملًا في ترابط الخيط أو ما يقوم مقامه. وما يسأل عنه السائل في واقعة السؤال غير معد لمثل ذلك، ولكن حقيبة لحمل المتاع وغيره، فليست داخلة في نطاق المخيط المنهي عنه فيكون استعماله جائزًا في الحرم وغيره. والله سبحانه وتعالى أعلم.

لبس السترة غير المخيطة تحت الإزار

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 2214 لسنة 2006م والمتضمن: هل السترة التي يلبسها المُحرِم في حجه وعمرته والتي تكون قطعة من قماش يتم عمل كِنار لها ويتم إدخال مطاط لها –أستك- في هذا الكنار وتلبس أسفل الإزار مشروعة؟ حيث إننا نقوم بتصنيعها وتوريدها للمحلات التجارية، ورأيكم سيكون فيصلًا في الاستمرار في هذا النشاط من عدمه. الممنوع على المُحرِم هو لبس المَخِيط؛ وذلك لما روى ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أنَّ رَجُلا قال: �يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا الْخُفَّيْنِ إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ الْكَعْبَيْنِ� رواه البخاري ومسلم. فأخذ العلماء من ذلك وغيره من الأحاديث أن الرجل إذا أحرم يمتنع عليه لُبسُ المَخِيط، والمقصود بذلك أن يكون الملبوس مُحِيطًا مُفَصَّلا على العُضو كالمذكور في الحديث من السراويل والقميص والخفين والبرنس، وما لم يكن كذلك فلا بأس بلُبس المُحرِم له، كالساعة والنظارة والرداء والإزار مما يُلَفُّ على الجسم ولا يُفَصِّل العُضو. وعليه وفي واقعة السؤال: فنفيد بأن السترة المسؤول عنها بهذا الوصف الوارد في السؤال والمشاهَد في العينة المرفقة جائز لُبسُها مِن قِبل المُحرِم حاجًّا كان أو معتمرًا، ويجوز التعامل فيها صناعيًّا وتجاريًّا. والله سبحانه وتعالى أعلم.

الاستدانة للحج والعمرة

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 1368 لسنة 2005م المتضمن: أن السائل قد قام بأداء مناسك الحج عام 1991م إلا أنه اقترض من أخيه المقيم بالسعودية مبلغ خمسمائة ريال في هذه الأثناء ولم يسددها حتى الآن، وأخوه قد توفي وله أولاد، فهل حجه صحيح؟ اقترض السائل من أخيه المقيم بالسعودية مبلغ ثمانمائة ريال سنة 1988م لأداء مناسك العمرة ولم يسددها حتى الآن، فهل عمرته صحيحة؟ إن السائل في أثناء حجه لم يزر قبر الرسول صلى الله عليه وسلم. من المقرر شرعًا أنه إذا قام الحاج أو المعتمر بأداء مناسك الحج كاملة بشروطها وأركانها، فإنها تكون صحيحة، وأن زيارة قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- سنة يثاب فاعلها ثوابا عظيمًا ولا يأثم تاركها ولا يؤثر على صحة حجه أو عمرته؛ لأن الزيارة على جلالة قدرها ليست من أركان العمرة ولا الحج، وإن كان في الإعراض عنها جفاء كما ورد في الحديث الشريف. والاستطاعة شرط من شروط وجوب الحج والعمرة على الشخص، ولكن شرط وقوع الحجة أو العمرة عن حجة الإسلام وعن عمرة الإسلام أربعة فقط: وهي الإسلام والتمييز والبلوغ والحرية، وليس من بينها الاستطاعة، فغير المستطيع لا يجب عليه الحج ولا العمرة، ولكن إن تكلف ما لم يكلفه إياه الشرع فاستدان وحج أو اعتمر صح حجه وصحت عمرته. وفي واقعة السؤال وبناءً على ما سبق: فإن حجك صحيح وعمرتك صحيحة بفضل الله تعالى، وعليك أن تسدد ما عليك من دين لأولاد أخيك، إلا إذا أبرؤوك من سداده. والله سبحانه وتعالى أعلم.

الحج عن المريض غير المستطيع للحركة (المعضوب)

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 2190 لسنة 2006م المتضمن: زوجتي مريضة بآلام حادة في العمود الفقري -بعض الفقرات متآكلة تمامًا، وبعضها متحرك من مكانه-، ولا تقوى على الحركة، وأمنيتها أداء فريضة الحج، فهل يجوز أن أحج عنها؟ علمًا بأنني سبق لي أداء الفريضة. عن عبد اللَّهِ بن عَبّاسٍ -رضي الله عنهما- قَال: �أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ وَضِيئَةٌ تَسْتَفتِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ� رواه البخاري ومسلم، وهذه رواية البخاري. وهذا ما يُسَمّى في الفقه الإسلامي بالحج عن المَعضُوب، وهو الذي لا يمكنه الوصول لأماكن شعائر الحج؛ لعدم قدرته على الثبات على وسيلة الانتقال والمواصلات، فهذا يُحَجُّ عنه وجوبًا عند الجماهير من العلماء إذا كان عنده مال فائض عن ديونه وعن مؤنة من يعولهم يكفي أن يعطيه لمن يحج عنه مدة سفره، أو عن طريق متطوع بالحج عنه بلا أجرة، ولا يُشتَرَط حينئذ وجود المال عند المعضوب، ويشترط لذلك أن يكون من يحج عنه قد حجّ عن نفسه أولا، فإن كان يمكنه الوصول وأداء المناسك ولو محمولًا لم يُجزئ إلا أن يحج هو بنفسه. وعليه وفي واقعة السؤال فإن كانت زوجتك قادرة -رغم مرضها الذي وصفتَ- من الوصول وأداء المناسك ولو محمولة لزمها الذهابُ والحج بنفسها، وإلا صار لها حكم المعضوب ووجب حجها بغيرها: بِك أو بغيرك، بالشرط المذكور آنفًا. والله سبحانه وتعالى أعلم.

تعليم مناسك العمرة عن طريق عمل مجسم للكعبة

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 2026 لسنة 2005م المتضمن: المتضمن السؤال عن مشروعية تعليم مناسك العمرة عن طريق عمل مجسم للكعبة والطواف حولها. رفع الله تعالى شأن العلماء فقال: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9]، وطلب منهم تعليم عباده فقال جل شأنه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: 187]، كما طلب منا سبحانه وتعالى الحج والعمرة بقوله: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196]، فأمر بالأداء والإتمام، ومعلوم أنه لا عمل قبل العلم، قال الإمام البخاري في كتاب العلم من صحيحه 1/ 37: "باب العلم قبل القول والعمل لقول الله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد: 19]، فبدأ بالعلم". اهـ. وكان من سنة الله تعالى في تعليم نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم التنوع، من هذا ما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم حيث سُئِل: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: �أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ� أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة. وورد أن الغيب كان يُصَور أمامه كما في حديث أنس بن مالك: أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: �وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ وَأَنَا أُصَلِّي فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ� أخرجه البخاري ومسلم، ومثله ورد في حادثة الإسراء حين سأل الكفار النبي صلى الله عليه وسلم عن وصف بيت المقدس فقال: �لَمَّا كَذَّبَتنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ، فَجَلَا اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ� أخرجه البخاري ومسلم عن جابر. وهكذا أيضًا كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعلم أصحابه بأساليب متنوعة، فقد صور لهم ما يشبه اللوحات التوضيحية كما في حديث ابن مسعود قال: �خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطُطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ، وَقَالَ: هَذَا الْإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ -أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ- وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الْخُطُطُ الصِّغَارُ الْأعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا� أخرجه البخاري، وأخرج أيضًا عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خُطُوطًا، فَقَالَ: �هَذَا الْأَمَلُ وَهَذَا أَجَلُهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُ الْخَطُّ الْأَقْرَبُ�. وكان أحيانًا يمثل ما يحكيه بفعله كما في حديث الذين تكلموا في المهد، والذي يرويه أبو هريرة، وفيه: �... وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَصُّ إِصْبَعَهُ� أخرجه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري، ولفظ مسلم: �فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ فِي فَمِهِ فَجَعَلَ يَمصُّهَا�. قال الحافظ ابن حجر تعليقًا على الحديث: "وفيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل". اهـ. وقد يُشَبِّه الغائبَ بالشاهد لاستحضار الصورة، كما شبه عددًا من الأنبياء وجبريل والمسيح الدجال ببعض الصحابة وقال: �أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ�، يعني نفسه صلى الله عليه وسلم، والروايات في صحيح مسلم 166 – 169 عن عدد من الصحابة، وبعضها أصله في البخاري. بل قد ورد تأديته بعض العبادات عمليًّا لقصد التعليم كما في حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: �يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَّمُوا صَلاتِي� أخرجه البخاري ومسلم. ثم سَرَت هذه الطريقة في سلفنا الصالح أيضًا؛ فعن أَبِي قِلابَةَ قَالَ: جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ -أحد الصحابة- فِي مَسْجِدِنَا هَذَا، فَقَالَ: "إِنِّي لَأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ، أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي" أخرجه البخاري، وترجم له: باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته. وورد عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ: �رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ، يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ أَوْ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ. قَالَ: فَرَجَّعَ فِيهَا. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ يَحْكِي قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلٍ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابْنُ مُغَفَّلٍ. يَحْكِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ: كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ؟ قَالَ: آ آ آ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ� أخرجه البخاري. والمعاينة تكون أقوى أثرًا في النفس من السمع كما ورد في الحديث: �لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ مُوسَى بِمَا صَنَعَ قَوْمُهُ فِي الْعِجْلِ، فَلَمْ يُلْقِ الأَلْوَاحَ، فَلَمَّا عَايَنَ مَا صَنَعُوا أَلْقَى الأَلْوَاحَ فَانْكَسَرَتْ� أخرجه ابن حبان والحاكم والطبراني في الكبير والأوسط، واللفظ له عن ابن عباس. مما تقدم يُعلم أنه لا بأس بتعليم مناسك العمرة على النحو الوارد بالسؤال، بل إنه قد يرتقي إلى الاستحباب، وإذا لم يمكن فهم المنسك إلا به فقد يجب، وعلى أن يتم ذلك في جو من التعظيم لشعائر الله؛ ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]. نسأل الله لنا وللمسلمين حسن العلم والعمل بالدين. والله سبحانه وتعالى أعلم.

حكم تغطية المحرم نفسه للتدفئة

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 2311 لسنة 2006م المتضمن: هل يجوز للمحرم أو المحرمة أن يغطي نفسه بشيء يتدفأ به؟ المُحرم بعمرة أو بحج ممنوع من لبس المخيط المحيط، وهو المفصل على قدر العضو من أعضاء الجسم، كالقميص والسراويل والتُّبّان والخُف ونحو ذلك، أما ما يُلَفّ على عضو من الأعضاء من غير أن يكون مفصلًا عليه فلا يضرّ، فلو أخذ قميصًا أو ملاءة أو لحافًا فلفّها على جسمه لدفع البرد أو لستر العورة أو غير ذلك فلا يضره ذلك؛ فالمعوّل عليه في وجوب الفدية في المخيط هو حصول اللبس به على المعتاد في كل ملبوس، لا مجرد وضعه على الجسم. وهو أيضًا ممنوع من تغطية رأسه أو بعضه -ولو كان البياض خلف الأذن- بشيء يلتصق به، سواء أكان مخيطًا محيطًا كالقلنسوة أو الطاقية، أم لا كالعمامة أو الإزار وكل ما يُعَدّ ساترًا، ولا بأس أن يتوسّد وِسادة أو يضع يده على رأسه أو يستظل بمظلة ولو مست رأسه، وأما حمل شيء على رأسه ففيه خلاف؛ فالأفضل ترك ذلك حتى لا تكون عليه فدية على رأي المانعين. والمُحرِمة بحج أو بعمرة إحرامها في وجهها وكفيها؛ فيجب عليها ألا تغطي ذلك منها، ولها بعد ذلك لبس ما تشاء وتغطية رأسها بما تشاء. وعلى ذلك فلا بأس للمُحرِم بحج أو عمرة أن يغطي نفسه بشيء يتدفأ به؛ بشرط ألا يلبسه على جسمه بحيث يُفَصِّل أعضاءه، وبشرط ألا يغطي بذلك رأسه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

تكرار الحج عن الغير

اطلعنا على الطلب الوارد إلينا عن طريق الإنترنت المقيـد برقم 298 لسنــة 2004م والمتضمـن: حججت مرة واحدة عن نفسي، ثم حججت مرة واحدة عن جدتي المتوفاة. فهل يجوز أن أحج عنها مرة أخرى؟ لا مانع شرعًا من تكرار الحج عن الغير. ومما ذكر يعلم الجواب. والله سبحانه وتعالى أعلم. طالع الملف انتقاض الوضوء أثناء الطواف حكم تأخير الحج لعدم أمن الطريق حكم الحج في عدة الوفاة المبيت بالمزدلفة ورمي الجمرات ما اليوم الذي يسمى يوم الحج الأكبر طالع أيضًا خروج الدم أثناء الإحرام لبس الحذاء الطبي أثناء المناسك تقديم السعي للمتمتع هل يجوز للحاج أن يغادر المزدلفة بعد منتصف الليل هل يجوز للحاج أن يدفع من المزدلفة إلى مكة لطواف الإفاضة قبل أن يرمي جمرة العقبة ؟

حج النافلة مع تعلق الذمة بدين

السائل يقول: اشتريت من خالي عمارة بمبلغ 275 مائتين وخمسة وسبعين ألف جنيه دفعت مقدما 100 مائة ألف جنيه، وأقوم بدفع 10 عشرة آلاف جنيه شهريًّا، والباقي الآن 115 ألف جنيه، وأرغب في الحج هذا العام مع أمي بحوالي 70000 سبعين ألف جنيه، علمًا بأنني سبق لي الحج العام الماضي، كما سبق لي الحج مع أمي منذ 4 سنوات، وخالي في حاجة إلى باقي المبلغ، وطلبه مني أكثر من مرة؛ لأنه أحيل إلى التقاعد، ومعاشه لا يكفي احتياجاته، أرجو التكرم بالإفادة، هل يجوز لي الحج مع أمي، أو أعطي خالي باقي المبلغ المستحق؛ لأنه أبلغني أنه في حاجة إليه؟ إذا كان الحال كما ورد بالسؤال من أن السائل قد أدى فريضة الحج العام الماضي وكذلك والدته قد حجت معه منذ أربع سنوات فيكون سداد الدين أولى من التنفل بالحج، خاصة وأن خال السائل -الدائن- في حاجة إلى أمواله وقد أبلغه بذلك، أي إن سداد الدين مقدم على حج النافلة. ومما ذكر يعلم الجواب. والله سبحانه وتعالى أعلم.

حكم حلق الحاج أو المعتمر لنفسه ولغيره

هل يجوز للمعتمر والحاج بعد انتهاء المناسك أن يحلقا لأنفسهما أو لغيرهما من المعتمرين والحجيج؟ لا يوجد ما يمنع من قيام المعتمر بعد انتهاء سعيه والحاج بعد دفعه من مزدلفة إلى منى أن يقوم كل منهما بالحلق أو التقصير لأنفسهما أو لغيرهما ممن هو مثلهما متأهل للحلق أو التقصير، بل إنه مأمور بأن يحلق أو يقصر بعمومات النصوص، من مثل قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾. [الحج: 29]، وقوله سبحانه: ﴿مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾. [الفتح: 27]، وقول النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-: ((رَحِم اللهُ المُحَلِّقِين، رَحِم اللهُ المُحَلِّقِين، رَحِم اللهُ المُحَلِّقِين والمُقَصِّرِين)). "مختصر بتصرف من رواية الحديث في الصحيحين عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما-، ولأننا لو لم نقل بجواز ذلك وألزمنا أمثال هؤلاء العُمّار والحجاج أن يعتمدوا على الحلال -أي غيرُ المُحرِم- في الحلق والتقصير لجعلنا الحاج والمعتمر لا ينفك عن الاحتياج لغيره في أداء العبادة له، وهذا مما لا مثيل له في العبادات، فإن المصلي لا يحتاج لغيره لتأدية الصلاة، وكذلك الصائم والمزكي، ونُقُولُ العلماء خاليةٌ من إلزام قيام الحلال بهذه الشعيرة، ولو كان هذا شرطا لنَصّوا على ذلك، ولا نَصّ؛ فدل ذلك على عدم لزومه، بل المطلوب هو حصوله بالنفس أو بالغير، والغير إما حلال أو مُحرِم. وسواء أقلنا إن الحلق والتقصير نُسُك أو استباحة محظور على قولي الشافعية فإن الحكم سواء، وهو أنه يجوز للمُحرِم أن يحلق لنفسه أو لغيره من المحرمين عند هذا الحد من مناسكه ومناسكهم، وكلّ ذلك مبني على كون الحلق أو التقصير صار في هذا الموضع من المناسك جائزا بعد أن كان محظورا، فهو يُقدِم على عمل مباح كما لو حلق لحلال، وقد قال النووي في روضة الطالبين: "للمُحرِم حلق شعر الحلال". ولعل مَن يَتَوَّهم عدمَ جواز قيام المعتمر والحاجّ بذلك أنه من المعلوم أن الأخذ من شعر الجسم من محظورات الإحرام، وهذا صحيح، ولكن هذا المحظور يظل قائما إلى أن تبلغ المناسك حدًّا معينا، ويتعين على المُحرِم وقتها أن يتحلل بالحلق أو التقصير ليستبيح كل شيء كان ممنوعا منه بعد الإحرام -إن كان تحلل العمرة أو التحلل الأصغر في الحج-، أو معظم الأشياء -إن كان التحلل الأكبر في الحج-. والله سبحانه وتعالى أعلم.

نفرة الحجيج من عرفات على مراحل

اطلعنا على الطلب المقيد 1661 برقم لسنة 2007مالمتضمن: هل تجوز زيادة مساحة الرقعة المخصصة لوقوف الحجيج على عرفة بما يُعرَف بامتداد عرفة؛ لاستيعاب العدد المتزايد من الحجاج؟ ما حكم مَن وقف بعرفة قبل الزوال فقط؟ وهل يجوز للحجاج أن ينفروا من عرفة قبل المغرب؟ وما حكم مَن وقف بها جزءًا من ليلة النحر فقط؟ أولًا: من المقرر شرعًا أن حدود مشاعر الحج ومناسكه وحدود الحل والحرم من الأمور الثابتة بإجماع المسلمين سلفًا وخلفًا، إلا مواضع يسيرة نصوا على الخلاف فيها، وهذا معدود من الثوابت التي تشكل هُويَّة الإسلام والتي لا يجوز الاختلاف فيها، والوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم، حتى قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: �الْحَجُّ عَرَفَةُ� رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم. وحدود عرفة هي نهاية الحرم وبداية الحِلّ، وهي معروفة معلومة، أجمع المسلمون عليها إلا ما يحكى من خلافٍ ضعيفٍ في (نَمِرَة)، حتى نص الفقهاء على أن مسجد إبراهيم وهو المسمَّى بمسجد نَمِرة ليس كله من عرفة، بل مُقدَّمُه من طرف وادي عُرَنَة وآخره في عرفات، قالوا: فمن وقف في مُقدَّمِه لم يصح وقوفه ومن وقف في آخره صح وقوفه، وقد أجمع المسلمون على صحة الوقوف بأي جزء من عرفة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: �وَقَفْتُ هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ� رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وأجمعوا على أن من وقف خارج حدودها فإن حَجَّه باطل، إلا ما يُروَى عن الإمام مالك أن من وقف ببطن عُرَنة فحجه صحيح وعليه دم، والصحيح عند المالكية أن بطن عُرَنة ليس من عرفة ولا من الحرم، ونص أهل العلم على أن من أخطأ الوقوف بعرفة فوقف خارجها بطل حَجُّه ووجب عليه القضاء، حتى لو اتفق ذلك للحجيج جميعًا؛ لأن ذلك مما يمكن التّحرّز منه، فلا يكون الخطأ عذرًا في إسقاط القضاء، فإذا أخطأ الحجيج في الموقف فوقفوا في غير عرفة لزمهم القضاء سواء كانوا جمعًا كثيرًا أم قليلًا؛ لأنّ الخطأ في الموقف يؤمَن مثله في القضاء. وعلى ذلك فإنه لا يجوز توسيع رقعة عرفة خارج حدودها التي أجمع عليها المسلمون، خاصة وأن المطلوب من الحاج في هذا الركن هو مجرد الوجود في أي بقعة من عرفة: أرضها أو سمائها، قائمًا أو قاعدًا، راكبًا أو راقدًا، مستيقظًا أو نائمًا، وليس المطلوب الإقامة أو المكث، فالركن يحصل بمجرد المرور بها، ويمكن التغلب على التدافع والتكدس في الزحام الشديد بالتنظيم الشامل لنفرة الحجيج ولو بإلزام الحجاج بمذهب من لا يشترط وقتًا معينًا للوقوف كما سيأتي في إجابة السؤال التالي، تلافيًا للأضرار الناجمة في ذلك. ثانيًا: أجمع العلماء على أن ما بعد الزوال هو وقتٌ صحيحٌ للوقوف بعرفة، وأن وقت الوقوف ينتهي بطلوع فجر يوم النحر، وأن مَن جمع في وقوفه بعرفة بين الليل والنهار من بعد الزوال فوقوفه تام ولا شيء عليه، وأن من وقف بعرفة ليلة النحر فحجه صحيح. وهاهنا مسائل: الأولى: حكم الوقوف بعرفة والدفع منها قبل الزوال، هل يجزئ عن الوقوف بعد الزوال؟ فالجمهور على أن الوقوف بعرفة يبتدئ من الزوال، وأن الوقوف قبل الزوال غير مجزئ، ومَن لم يقف بعد الزوال فقد فاته الحج. والحنابلة يرون أن مَن وقف ونفر بعد الفجر وقبل الزوال فحجُّه صحيحٌ وعليه دمٌ، واحتجوا بحديث عروة بن مُضَرِّسٍ -رضي الله عنه- قال: �أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِالْمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ، أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ� رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن، وصححه الترمذي وابن حبان والدارقطني والحاكم، وقال: هذا حديث صحيح على شرط كافة أئمة الحديث، وهي قاعدة من قواعد الإسلام، اهـ من (المستدرك، 1/ 462، ط: الهند). قال الإمام أبو البركات ابن تيمية الحنبلي في (منتقى الأخبار مع نيل الأوطار، 5/ 116، ط: المنيرية) بعد ذكره لهذا الحديث: "وهو حجة في أن نهار عرفة كله وقت للوقوف". اهـ. وقال العلامة الشوكاني في (نيل الأوطار، 5/ 116): "وأجاب الجمهور عن الحديث: بأن المراد بالنهار ما بعد الزوال؛ بدليل أنه -صلى الله عليه وآله وسلم- والخلفاء الراشدين بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال، ولم يُنقَل عن أحد أنه وقف قبله، فكأنهم جعلوا هذا الفعل مقيِّدًا لذلك المطلق، ولا يخفى ما فيه". اهـ. وقال العلامة المرداوي الحنبلي في (الإنصاف، 4/ 23، ط: دار إحياء التراث العربي): "وهذا المذهبُ وعليه جماهيرُ الأصحاب وقطع به كثيرٌ منهم وقدَّمه في "الفروع"، وهو من المفردات". اهـ. وقال العلامة البهوتي الحنبلي في (كشاف القناع، 2/ 494، ط: دار الفكر): "ما قبلَ الزوال مِن يوم عرفة، فكان وقتًا للوقوف؛ كما بعد الزوال، وتَركُه - صلى الله عليه وآله وسلم- الوقوفَ فيه لا يمنع كونَه وقتًا للوقوف كما بعد العشاء، وإنما وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- وقتَ الفضيلة". اهـ. والمسألة الثانية: هل يجزئ الوقوف بعرفة بعد الزوال مع الدفع منها قبل غروب الشمس؟ فجمهور علماء الأمصار على أن مَن وقف بعرفة بعد الزوال ولو لحظةً، ونفر منها في أي وقت قبل الغروب، فإن وقوفه مجزئ وحجه صحيح، ثم منهم من يوجب عليه دمًا كالحنفية والحنابلة؛ بناءً على أن الجمع بين الليل والنهار واجبٌ عندهم في الوقوف بعرفة. ومنهم مَن لا يوجِبُ عليه شيئًا، وهو الأصح عند الشافعية ومَن وافقهم كالظاهرية، وروايةٌ عن الإمام أحمد؛ بناءً على أن الجمع بين الليل والنهار مستحبٌّ وليس واجبًا. وخالف في ذلك الإمام مالك: فجعل ركنَ الوقوف بعرفة هو إدراك جزء من الليل. واستدل الجمهور بحديث عروة بن مُضَرِّسٍ -رضي الله عنه- السابق ذكره. قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في (المغني، 3/ 432، ط: الكتاب العربي): ""فإن دَفَع" أي من عرفة قبلَ الغروب فحجُّه صحيحٌ في قول جماعةِ الفقهاء إلا مالكًا؛ قال: لا حج له، قال ابن عبد البر: لا نعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال بقول مالك". اهـ. وفي (هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك للإمام ابن جماعة، 3/ 1165، تحقيق: د. صالح الخزيم): "وقال أبو طالب: سألتُ أحمد عن الرجل وقف بعرفة مع الإمام من الظهر إلى العصر، ثم تذكر أنه نسي نفقته بمنى؟ قال: إن كان قد وقف بعرفة فأحبُّ إليَّ أن يستأذن الإمام يخبره أنه نسي نفقته، فإذا أذن له ذهب، ولا يرجع؛ قد وقف، وإذا ما وقف بعرفة يرجع فيأخذ نفقته. ومن وقف بعرفة مِن ليل أو نهارٍ قبل طلوع الفجر فقد تم حجُّه". اهـ. وقال العلامة الشنقيطي في (أضواء البيان، 4/ 438، ط: دار الفكر): "فقوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: �فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ� مرتِّبًا له بالفاء على وقوفه بعرفة ليلًا أو نهارًا، يدل على أن الواقف نهارًا يتم حجه بذلك، والتعبير بلفظ "التمام" ظاهرٌ في عدم لزوم الجبر بالدم. ولم يثبت نقل صريح في معارضة ظاهر هذا الحديث، وعدم لزوم الدم للمقتصر على النهار هو الصحيح من مذهب الشافعي؛ لدلالة هذا الحديث على ذلك كما ترى. والعلم عند الله تعالى". اهـ. والمسألة الثالثة: من وقف بعرفة جزءًا من الليل قبل فجر يوم النحر ولم يقف شيئًا من نهار يوم عرفة فحجه صحيح بإجماع الفقهاء، إلا أن بعض المالكية يوجب عليه دمًا إذا لم يكن مراهقًا وهو من ضاق وقتُه حتى خشي فوات الوقوف بعرفة، أو كان ذلك بلا عذر، ولا شك أن خوف الزحام وما فيه من الخطر من النفس والبدن عذر شرعي صحيح. قال الحافظ ابن عبد البر في (التمهيد، 9/ 275، ط: مؤسسة قرطبة): "وقد أجمع المسلمون أن الوقوف بعرفة ليلًا يجزئ عن الوقوف بالنهار، إلا أن فاعل ذلك عندهم إذا لم يكن مراهقًا ولم يكن له عذر فهو مسيء؛ ومن أهل العلم من رأى عليه دمًا، ومنهم من لم ير عليه شيئًا". اهـ. وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في (المغني، 3/ 432): "ومن لم يدرك جزءًا من النهار ولا جاء عرفة حتى غابت الشمس فوقف ليلًا، فلا شيء عليه وحجه تام، لا نعلم مخالفًا؛ لقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم-: �مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ�؛ ولأنه لم يدرك جزءًا من النهار، فأشْبَهَ مَن مَنْزِلُه دون الميقات إذا أحرم منه". اهـ. وبناء على ذلك: فيجوز للحُجّاج أن يتخيروا في هذه المسائل الخلافية وغيرها ما هو أنسب بالحفاظ على صحتهم وأمنهم وسلامتهم، من جواز الوقوف والدفع من عرفة بعد الفجر وقبل الزوال كما هو رأي الحنابلة، أو الدفع منها قبل الغروب من غير جبران كما هو قول الشافعية أو بجبرانٍ على قول الحنفية والحنابلة، أو الاكتفاء بالوقوف جزءًا من ليلة النحر، من غير تحرج في شيء من ذلك، فإن المحافظة على النفس من مقاصد الشريعة الكلية العليا، وهي مقدَّمة على الالتزام بقول بعض المجتهدين في الخلافيات ولو كانوا جمهور الفقهاء، بل إن الأخذ بالأيسر من أقوال الفقهاء يصبح واجبًا إذا ترتب عليه درءُ ما يحدث من حالات الإصابات والوفيات الناتجة عن تزاحم الحجاج في أوقات واحدة على مناسك معينة، وليس من الفقه ولا من الحكمة تطبيقُ شيء مستحب أو مختلف فيه على حساب أرواح الناس ومُهَجِهم. والله سبحانه وتعالى أعلم.

حكم زيارة المدينة المنورة أثناء الحج والعمرة

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 706 لسنة 2007م المتضمن: حججت بيت الله تعالى وأخذت في طريقي لذلك من أخي خمسمائة ريال سعودي، ولم أردها حتى الآن، ولم أذهب إلى المدينة المشرفة -على ساكنها الصلاة والسلام- وقد توفي أخي، فهل حجي صحيح؟ وكيف أرد دَين أخي؟ إذا كان الحال كما ورد بالسؤال فحجك صحيح إذا كان مستوفيًا للأركان والشروط، وليس منها زيارتك للمدينة النبوية المشرفة -على ساكنها الصلاة والسلام- حيث إن الزيارة مستحبة، وهي من آداب رحلتي الحج والعمرة، وليست من مناسكهما، ولا يضر في صحة الحج كونُك اقترضتَ جزءًا من نفقته، أو أنك لم تردّ هذا القرض إلى الآن. وعليك بردّ الدَّين إلى ورثة أخيك: زوجته وأولاده، أو غيرهم بحسب الحال، وكل وارث يأخذ من هذا الدَّين بقدر حصته الشرعية من الميراث. والله سبحانه وتعالى أعلم.

حكم لبس المخيط للمحرم ناسيا

يقول السائل: إنه لبس العباءة في الحج ناسيًا قبل الحلق وبعد أن قام برمي جمرة العقبة الكبرى، ثم حلق بعد ذلك شعره وطاف للإفاضة وسعى وتحلل التحلل الأكبر. فماذا يجب عليه إزاء هذا الفعل؟ من المقرر عند الشافعية وغيرهم أن ما كان من محظورات الإحرام على سبيل الترفه كالطيب والجماع ولبس المخيط وستر الوجه والرأس، فإنه لا تجب الفدية فيه على الناسي ولا الجاهل، وإنما تجب على من تلبَّس بشيء منها عامدًا عالمًا. وبناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن لبس العباءة حال الإحرام بعد رمي جمرة العقبة إذا كان على سبيل النسيان أو الجهل فلا حرج على فاعله، ولا يفسد بذلك حجه، وليس عليه دم. والله سبحانه وتعالى أعلم.

خروج المرأة للحج أو العمرة أثناء عدتها لوفاة زوجها

طلب الإفادة عن الحكم الشرعي في الذهاب إلى العمرة أثناء عدة الوفاة. يجب على المرأة أن تعتد على زوجها إذا مات أربعة أشهر وعشر ليال بأيامهن؛ لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: 234]، ومعنى يتربصن بأنفسهن: ينتظرن بأنفسهن لا يتزوجن خلال هذه المدة، ولا يفعلن في أنفسهن ما يتنافى مع الإحداد الواجب عليهن. وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يجوز خروج المعتدة من وفاة إلى الحج أو العمرة؛ لأن الحج والعمرة لا يفوتان والعدة تفوت. وبناءً على ما ذكر وفي واقعة السؤال: فإنه لا يجوز للمعتدة من وفاة أن تخرج للعمرة. والله سبحانه وتعالى أعلم.

محارم المرأة في السفر

السائل تقدم بطلب عمرة لابنته فاطمة كمال محمد على أن يكون المحرم لها خال والدها منصور محمد جمعة -شقيق والدته- فهل يكون محرمًا لها؟ أرجو بيان الحكم الشرعي. لا مانع شرعًا من سفر البنت لأداء العمرة مع خال والدها؛ لأنه صار محرمًا لها؛ لأنه من الدرجة الرابعة من قرابة الرحم عن طريق الأصل. هذا إذا كان الحال كما ذكر بالسؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم.

رمي الجمرات السبع دفعة واحدة

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 173 لسنة 2007م والمتضمن: وكلني شخص أثناء موسم الحج لأرمي عنه جمرة العقبة، ولكني بسبب الزحام رميت الجمرات الخاصة به كلها دفعة واحدة، فما الحكم؟ علمًا بأنه قد توفي وأنا لم أخبره بذلك. إذا كان الحال كما ورد بالسؤال فإنه يجب دمٌ يُذبَح في الحرم الشريف -أي في منى أو مكة المكرمة أو المزدلفة أو أي بقعة داخل حدود الحرم الشريف - على مدار العام؛ وذلك على المعتمد في المذاهب الأربعة مِن وجوب كون رمي الحصيات متفرقًا، وأن من ترك غالبَ الرمي في يوم من الأيام فعليه دم. ويكون ذلك في مالك أنت؛ لأنك قَصَّرتَ بترك الرمي الذي وُكِّلتَ فيه، وتركتَ التوكيل عند عجزك عن الرمي حتى انقضى زمنه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

الحج عن المريض الذي لا يثبت على وسائل الانتقال

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 559 لسنة 2007م المتضمن: حاولت أمي الحج أكثر من مرة ولم يحالفها التوفيق لذلك، وقد حججت أنا عن نفسي، ثم حججت عنها من مالها وهي على قيد الحياة، ولكنها كانت وقتها تبلغ من العمر ثمانية وستين عامًا ولا تتحكم في البول ويأتيها دوار من ركوب السيارة. فهل حجي عنها صحيح؟ عن سليمان بن يَسار أن عبد الله بن عباس أخبره �أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ - وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فََقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَلْ يَقْضِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، حُجِّي عَنْ أَبِيكِ� رواه البخاري وأحمد وكثيرون عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وهذا الشخص الذي لا يثبت على الراحلة يسمى في الفقه الإسلامي المعضوب، فالحج - ومثله العمرة - عن الغير يكون إما عن الميت وإما عن المعضوب. فإذا كان الحال كما ورد بالسؤال فحجكَ عن أمكَ والحالة هذه صحيح. والله سبحانه وتعالى أعلم.

الحج عن الغير من مالِ متبرَّعِ به

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 1662 لسنة 2007م المتضمن قول السائل: لي ابن يعمل بالسعودية وأرسل إليّ دعوة للحج على نفقته، فهل يصح أن أجعل هذه الحجة لوالدتي مع أنها ليست من مالي؟ الحج عن الغير يكون من مال الحاجّ، ويكون من مال الذي يُحَجّ عنه، ويكون من مال غيرهما، أي بمال أجنبي عنهما، وبقدر تعب المكلَّف ونَصَبه ونفقته بقدر ما يحصل على الثواب تفضلًا من الله تعالى؛ فقد قال النبي –صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- لعائشة -رضي الله تعالى عنها- فيما يخصّ أجر عمرتها: �عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ� أو قال: �نَفَقَتِكِ� رواه الشيخان. وعلى ذلك فلا مانع مِن حجكِ عن والدتكِ في هذه المرّة التي تذهبين فيها بدعوة ابنكِ، بشرط أن تكوني قد حججتِ عن نفسكِ في عام سابق، ويكون الثوابُ لكِ ولوالدتكِ ولابنكِ؛ تفضلا من الله تعالى وتكرمًا، ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.

تحمل الرجل تكاليف حج زوجته

هل يجب على الرجل تحمُّل تكاليف حج زوجته؟ الحج ركن من أركان الإسلام قال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَاب﴾ [آل عمران: 97]. والحج واجب على المسلم رجلًا كان أو امرأة إذا كان مستطيعًا في بدنه وماله على أداء مناسك الحج ونفقاته. وللزوج ذمة مالية مستقلة عن زوجته وللزوجة كذلك ذمة مالية مستقلة عن زوجها، فإذا كان أحدهما مستطيعًا للحج دون الآخر وجب الحج على المستطيع منهما دون غيره سواء أكان المستطيع الزوج أم الزوجة. وليس الزوج مكلفًا شرعًا بدفع نفقات الحج لزوجته، ولا الزوجة مكلفة شرعًا بدفع نفقات الحج لزوجها. أما إذا أراد أحدهما التبرع للآخر بنفقات الحج فلا مانع من ذلك شرعًا. ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم.

الشك في عدد أشواط الطواف

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 1004 لسنة 2004والمتضمن أن السائل يقول: حججت هذا العام، وفي طواف الإفاضة تعبت في الشوط الثاني؛ لأني أشتكي من آلام حادة في الركب، وتم الطواف من الطابق الثاني، المهم استعنت بصبي يقود الكرسي المتحرك وركبت عليه، من شدة الألم لم أتيقن هل أكمل ما تبقى من الأشواط ست أم سبعة أشواط؟ علمًا بأن ذلك الصبي أقر بأنه أتم سبعة أشواط وأنا أشك في ذلك. ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي. إذا كان الحال كما ورد بالسؤال وأن السائل قد استعان بصبي ليقوده بالكرسي المتحرك وأن الصبي قد أقر بأنه أكمل ما تبقى من الأشواط فالحج صحيح ولا عبرة بالشك في هذه الحالة. ومما ذكر يعلم الجواب. والله سبحانه وتعالى أعلم.

التعجيل أيام التشريق ورمي الجمار فيها بعد منتصف الليل

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 72 لسنة 2004 المتضمن: قمنا بعون الله بأداء فريضة الحج العام الماضي، وطبقًا لبرنامج شركة السياحة في أداء المناسك كان رجم إبليس كالتالي: بعد المزدلفة توجهنا لعمل طواف الإفاضة ثم رجم إبليس ثم الحلق. تمت الرجمة الثانية بعد زوال شمس أول يوم تشريق. تمت الرجمة الثالثة بعد منتصف ليلة ثاني أيام التشريق بعد تأكيد تام من الشركة على صحة الرجم بعد منتصف الليل رغم عدم اتفاق ذلك مع مكتب الإرشاد السعودي. توجهنا بعد ذلك قبيل الفجر لعمل طواف الوداع وغادرنا صباحًا إلى جدة ثم القاهرة. هل صحت هذه الخطوات؟ وهل هناك بالفعل فتوى بسلامة الرجم بعد منتصف الليل؟ وباختصار هل الحجة صحيحة إن شاء الله أم يتوجب علينا أي شيء؟ الحج صحيح، وما تم صحيح، ونسأل الله القبول. والله سبحانه وتعالى أعلم.

إنابة العاجز غيره للحج عنه

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 2888 لسنة 2004م والمتضمن: لي عم يبلغ من العمر 80 عامًا يعاني من عدة أمراض "القلب، حساسية في الصدر، الكلى"، وقد أوصاني بتأدية فريضة الحج عنه بعد مماته. هل يجوز أن أؤديها وهو على قيد الحياة -في حياة عينه. إذا كان الحال كما ورد بالسؤال فلا مانع للسائل أن يحج عن عمه المريض إذا كان لا يستطيع أن يقوم بأداء الحج بنفسه على أن يوكله عمه في أداء الحج، ويكون السائل قد حج عن نفسه قبل ذلك. ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم.

المبيت بعرفة ليلة التاسع من ذي الحجة لعذر

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 3189 لسنة 2005م المتضمن: هل يجوز للحاج أن يتوجه إلى عرفات يوم الثامن من ذي الحجة بدلًا من التوجه لمنى؛ وذلك نظرًا للزحام الشديد الذي يحصل عند الصعود إلى عرفات؟ يوم الثامن من ذي الحجة هو يوم التروية، وسمي بذلك لأن الحجيج كانوا يستريحون فيه في منى ويُرِيحون فيه دوابهم وهَديهم ويروونها بالماء في طريقهم إلى عرفة استعدادًا لأعمال هذا اليوم العظيم وما بعده من أعمال يوم النحر وأيام التشريق، ويُسَنُّ فقط -ولا يجب- للحاج أن يذهب فيه إلى منى في الضحى، ويصلي فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء مع قصر الصلاة الرباعية فقط وبدون جمع، ويبيت فيها ليلة عرفة، ثم يصلي فيها الفجر وينطلق إلى عرفة في الضحى أيضًا، فإن فعل خلاف هذا وذهب إلى عرفة من يوم الثامن خوفًا من الزحام فلا شيء عليه وحجه صحيح، غاية الأمر أنه قد ترك مستحبًّا، بل وتركه لعذر، فعسى أن يأخذ ثواب الشيء الذي لولا العذر لفعله، وإنما الجبران يكون بترك الواجب لا السنة، على أنه من الأفضل أن يمكث يوم التروية نهارًا بمنى ثم يبيت ليلة التاسع بعرفة خشية الزحام.

حكم المبيت بالمزدلفة أيام التشريق

اطلعنا على الطلب الوارد إلينا عن طريق الإنترنت المقيد برقم 289 لسنة 2004م المتضمن: ما حكم المبيت في المزدلفة أيام التشريق؟ المبيت بالمزدلفة أيام التشريق ليس من النسك فمن بات بالمزدلفة أو لم يبت فيها فليس عليه شيء. ومما ذكر يعلم الجواب. والله سبحانه وتعالى أعلم.

حكم نسيان الحاج الحلق أو التقصير

اطلعنا على الطلب الوارد إلينا عن طريق الإنترنت المقيد برقم 351 لسنة 2004 المتضمن: حججت حج تمتع وطفت طواف الإفاضة في نهاية الحج وسعيت، ولكن نسيت التقصير فهل علي فدو؟ ذهب جمهور الفقهاء إلى أن التقصير واجب يجبر تركه بدم، فعلى السائل أن يذبح شاة جبرًا عن نسيانه للتقصير. ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم.

المبادرة إلى الحج عند الاستطاعة والقدرة

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 609 لسنة 2004م المتضمن:أنه يمتلك قدرًا من المال لشراء شقتين لولديه، وعنده قطعة أرض من الأراضي الصحراوية ويريد الحج هو وزوجته، وأن تكاليف الحج تصل إلى ما يقرب من أربعين في المائة من المبلغ المدخر لشراء الشقتين، فهل يخرج لأداء فريضة الحج أم يُبقي على هذا المبلغ بأكمله لولديه ليساعدهما على شراء المسكن الملائم، وإعداد عش الزوجية لكل منهما؟ فرض الله عز وجل الحج على عباده، وجعله من أركان الدين الحنيف، وذلك على المستطيع قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97]. وقال سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف عن أبي أمامة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا)). رواه البيهقي في سننه. وقال - صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة قال: ((حجوا قبل أن لا تحجوا)). سنن البيهقي، فإذا ما توافر عند الإنسان المسلم الزاد وأمن الطريق والقدرة البدنية فإنه يجب عليه المسارعة لأداء فريضة الحج؛ لأنه لا يدري ماذا يكون غدًا. وفي واقعة السؤال يجب على السائل المبادرة والإسراع إلى أداء فريضة الحج، ولا يعمل على إسعاد ولديه وحرمان نفسه من أداء هذه الفريضة؛ فإن الأرزاق بيد الله تعالى، وهو مدبر الكون، قال عز وجل: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: 22]. وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: 6]. وخاصة أن ولديه قد بلغا وعملا في مناصب تدر عليهما دخلا لا بأس به، والله سبحانه وتعالى هو المستعان، وعليه التوكل وحده دون غيره، وقال سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا)) رواه الترمذي. والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل. والله سبحانه وتعالى أعلم.

الحج عن الميت من مالٍ متبرَّع به

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 525 لسنة 2004م، المتضمن: هل يجوز أن تقوم شقيقة سيدة متوفاة بأداء فريضة الحج عنها ومن مال ابن المتوفاة التي لم تترك أموالًا؟ علمًا بأن هذا الابن لم يسبق له أداء (حجة) الفريضة، ومع العلم بأن هذه الشقيقة قد أدت هذه الفريضة. فهل يجوز أداء فريضة الحج لهذه المتوفاة من مال ابنها الذي لم يسبق له أداء الفريضة، أم لا يجوز؟ إذا كان الحال كما ورد بالسؤال من أن شقيقة المتوفاة قد أدت فريضة الحج عن نفسها قبل ذلك فلا مانع شرعًا أن تؤدي فريضة الحج مرة أخرى عن شقيقتها المتوفاة، وإن كان المال مال ابن المتوفاة ما دام هذا الابن قد تبرع بهذا المال حتى تقوم خالته بالحج عن والدته، ولا يمنع من هذا أن هذا الابن لم يحج عن نفسه. ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال إذا كان الحال كما ورد به. والله سبحانه وتعالى أعلم.

الحج عن الميت الذي كان مستطيعا من مال الحاج

اطلعنا على الطلب الوارد إلينا عن طريق الإنترنت والمقيد برقم 467 لسنة 2004م والمتضمن: أن رجلا مات في الأربعينات من عمره بعد إصابته بمرض السرطان وله زوجة وأولاد قصر، ولم يقم بتأدية فريضة الحج مع استطاعته وقدرته على أدائها وبعد وفاته قامت إحدى أخواته بأداء فريضة الحج نيابة عنه ومن مالها الخاص حتى تترك أمواله لأولاده القصر. فهل هذا جائز أم لا؟ الحج إلى بيت الله الحرام ركن من أركان الدين الإسلامي الحنيف؛ لقول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97]، وقول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((بُنِي الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَام الصَّلاةِ، وَإِيتَاء الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْم رَمَضَانَ)) متفق عليه. ومن شروط وجوب الحج الاستطاعة كما جاء في القرآن الكريم وفي سنة الحبيب المصطفى -عليه أفضل الصلوات وأتم التسليمات- ما بَيَّنَ بأن الاستطاعة ليست قاصرة على القدرة المالية فحسب ولكنها تشمل القدرة المالية والجسدية وأمن الطريق وغيره، فلقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم-: ((من وجد زادًا وراحلة وأمكنه الحج فلم يفعل فليمت إن شاء يهوديًّا أو نصرانيًّا)) رواه الترمذي. وفريضة الحج من العبادات التي تقبل الإنابة فيها عن الغير، فلقد روي عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ أَبِي رزين العقيلي ((أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلا الْعُمْرَةَ وَلا الظَّعْنَ. قَالَ: حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ)) رواه الترمذي وأبو داود. ويشترط فيمن يحج عن غيره أن يكون قد حج أولا عن نفسه ثم يحج عن غيره، ففي حديث ابْنِ عَبَّاسٍ: ((أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- سَمِعَ رَجُلا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ. قَالَ مَنْ شُبْرُمَةُ؟. قَالَ أَخٌ لي أَوْ قَرِيبٌ لي، قَالَ: حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: لا، قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ)) رواه الترمذي. والحج واجب على التراخي لا على الفور. وفي واقعة السؤال: فإن قيام الأخت بالحج عن أخيها الذي مات دون أن يحج من مالها فهو عمل جائز مؤجر عليه إن شاء الله تعالى وأنه لا حرج في ذلك قطعًا؛ ولقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ)). رواه الترمذي. والله سبحانه وتعالى أعلم.

الحج عن الميت من تركته

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 1492 لسنة 2005 م المتضمن: لي أخ -رحمه الله- كان قد وعد زوجته بأداء فريضة الحج معا، ولكن القدر لم يمهله وتوفي قبل موعد الحج بسبعة أشهر، فقامت زوجته بالحج وأخذت أخاها معها محرمًا ولقضاء الحج عن شقيقي، وقامت بخصم مصاريف الحج من تركته التي كانت تحت يدها، ثم قامت بتقسيم التركة بعد خصم مصاريف الحج، وليس لأخي أولاد، وله أخت شقيقة، وتدخل بعض علماء الأزهر بالقرية وأفهموها أن الحج لا بد أن يكون من حقها الشرعي وليس من جملة التركة فرفضت، ورفضت تكليف أحد أقاربنا بالسعودية لقضاء الحج عن أخي وأصرت على موقفها، فأرجو الإفادة عن الحكم الشرعي. ما قامت به السيدة المسؤول عنها ليس من حقها، ويجب عليها أن ترد قيمة تكاليف الحج التي أخذتها من التركة بدون إذن من الورثة الشرعيين، لأن الميت قد وعدها فقط بالحج، والوعد غير ملزم قضاءً، بمعنى أنه لا ينهض دليلا لخصم في نزاع؛ لأنه ربما كان لو عاش لتراجع عنه لسبب أو لآخر، والحقوق المالية لا بد فيها من أدلة معتبرة مكتوبة أو مُشهَد عليها، وأما هو إن لم يكن قد حج عن نفسه حجة الإسلام فيجب خروج تكاليف حجه من ماله قبل توزيع التركة، فحج أخي زوجته عنه صحيح إن كان قد أدى الحج قبل ذلك عن نفسه، ولكن لا تلزم كل نفقاته من مال المتوفى، بل أقل ما يؤدى به الفرض يكفي والباقي حق الورثة، فتكلفة المقيم في الحجاز هي الواجب فقط، وما فوق ذلك فهو على نفقة أخي زوجته لا يخصم من الميراث، وإن لم يكن أخو زوجته قد حج عن نفسه فهو ضامن لهذا المال كله، وحجه صحيح عن نفسه لا عن الميت، وإذا كان الميت نفسه قد حج حجة الإسلام فلا يخصم مصاريف حج أخرى من التركة أصلا، إلا أن يتطوع بها أحد الورثة أو أكثر من نصيبه الخاص أو نصيبهم الخاص. وحج أرملته وأخيها حج صحيح شرعا مع الاحتفاظ بحقوق الورثة كما بينا. هذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم.

حكم نفقات من حج عن غيره إذا أُحْصِر

سأل شخص فيمن أُمر بالحج عن الغير، فقصد الحج، حتى إذا قارب الوصول إلى أرض الحجاز حصل له مانع سماوي، مثل: اصطدام السفينة بشعب في البحر، بحيث أحصر مدة، إلى أن نقل إلى سفينة أخرى أوصلته إلى أرض الحجاز، وعند وصوله قبل إحرامه وجد الحج قد فاته، ثم رجع إلى وطنه الذي خرج منه. فهل - والحالة هذه - يضمن ما صرفه في الرجوع، أم يحسب من بدل الحج المأمور به؛ لداعي إحصاره بالعارض السماوي، أم كيف الحال؟ أفيدوا الجواب. قالوا: "إن الحاج عن الغير إن قطع عليه الطريق، وبقي شيء في يده من مال الميت، فرجع وأنفق على نفسه في الرجوع، ولم يحج؛ لا يكون ضامنًا إذا لم تذهب القافلة"، وهو صريح في عدم الضمان في حادثتنا، فإن الحج فاته بسبب إحصاره في الطريق على غير اختياره، وذلك بمثابة قطع الطريق عليه، وعدم ذهاب القافلة، فما أنفقه في الرجوع لا ضمان عليه فيه؛ لأنه منع عن الحج بما طرأ عليه من الإحصار الذي أوجب الفوات متى كان ذلك المنع أمرًا ظاهرًا يشهد على صدقه؛ وذلك لوجوب نفقته على آمره بالحج، ألا ترى أنه لو استؤجر رجل ليذهب لموضع كذا ويدعو فلانا بأجر مسمى فذهب للموضعفلم يجد فلانا؛ فإنه يجب الأجر بالذهاب؛ إجماعًا، كما ذكره الأتقاني وغيره، فيستأنس به؛ لما قلنا. والله سبحانه وتعالى أعلم

حكم الحج عن الغير

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 586 لسنة 2010م المتضمن:نحن شركة تعمل في مجالات الوساطة وخدمات الفنادق والخدمات السياحية والتسويقية والإعاشة، ونتشرف بتقديم سؤالنا: رغبة منَّا في تقديم مساعدة الراغبين في الحج عن ذويهم أو المرضى ببعض الدول العربية ومنها جمهورية مصر العربية فإننا نقوم بدور الوساطة بين من يرغب في الحج عن ذويه وبين من يقوم بأداء الحج من المقيمين بالسعودية حيث إننا نرى التكلفة باهظة جدًّا تصل إلى ثلاثين أو أربعين أو خمسين ألف جنيه، وبمناسبة وجودنا بالمملكة العربية السعودية واستطاعتنا تقديم هذه الخدمة فإننا نرغب في التوسط بين راغب الحج عن ذويه وبين بعض الأفراد المقيمين بالسعودية لأدائه الحج؛ وذلك من خلال عقد ملزم بأدائه بالقيام بالحج وأداء القسم وبثمن أقل من ستة آلاف جنيه تقريبًا –تكلفة فعلية- نحن نوكله ونتولى تسهيل القيام له بأداء المناسك من خلال الحج الداخلي ومساعدته بالسيارات والتنقل والإعاشة خلال فترة الحج، فنكون بذلك وسطاء بين من يرغب الحج عن ذويه وبين من يقوم بذلك من خلال الحج الداخلي ضمن حملات داخلية؛ لذلك نرجو الإفتاء شرعًا في سؤالنا. إذا كان المسلم غير قادر على أداء الحج بنفسه فيجوز له أن يستأجر من يحج عنه، كما يجوز للمسلم القادر أن يحج عن أقاربه المتوفين أو المرضى العاجزين عن الحج بأنفسهم -ويسميه الفقهاء بالمعضوب- إذا كان قد حج عن نفسه، أو يوكل غيره في الحج عنهم؛ بأجرة كان ذلك أو تبرعًا من القائم به، وذلك عند جمهور الفقهاء؛ لما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: �جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَل يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ�. ويتحقق العجز بالموت، أو بالحبس، والمنع، والمرض الذي لا يرجى زواله؛ كالزمانة، والفالج، والعمى، والعرج، والهرم الذي لا يقدر صاحبه على الاستمساك، وعدم أمن الطريق، وعدم المحرم بالنسبة للمرأة، إذا استمرت هذه الآفات إلى الموت. وسواء في ذلك أن يكون القائم بالحج عن المعضوب أو المتوفَّى مقيمًا في بلده -فيُنشئ سفر الحج خصيصًا من أجل ذلك- أو مقيمًا في أماكن المناسك -مما يقلل تكاليف الحج بالنسبة له-. وما تقوم به بعض الهيئات والشركات من تسهيل استئجار بعض المقيمين بالسعودية وتوكيلهم في الحج عن العاجزين عن أداء الفريضة أو عن ذويهم ممن تتحقق فيهم شروط جواز الإنابة في الحج؛ قصدًا إلى تقليل التكاليف: هو أمر جائز شرعًا طالما أنه روعيت فيه الشروط الشرعية المرعية. وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فما تقومون به من الوساطة بين من يرغب في الإنابة عن نفسه في الحج أو عن ذويه وبين من يقوم بذلك من خلال الحج الداخلي بالسعودية: هو أمر جائز شرعًا، ولا مانع من أن تأخذوا على ذلك أجرًا، بشرط أن يكون هذا الأجر معلومًا لا جهالة فيه. والله سبحانه وتعالى أعلم

حكم تكرار العمرة للمتمتع

اطلعنا على الطلب المقيد برقم 203 لسنة 2011م المتضمن السؤال عن حكم تكرار العمرة أكثرَ من مرةٍ للمُتَمَتِّع بعد التحلُّل من عمرته الأولى التي نوى بها التمتع بالعمرة إلى الحج. يجوز تكرار العمرة أكثر من مرة مطلقًا، بل الإكثارُ منها مستحبٌّ مطلقًا، وهو مذهب السادة الحنفية والسادة الشافعية وجمهور العلماء من السلف والخلف، وممن حكاه عن الجمهور الماوردي والسرخسي والعبدري والنووي، وحكاه ابنُ المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة وعطاء وغيرهم رضي الله عنهم، ورواية عن أحمد وإسحاق بن راهويه، وهو قول مطرف وابن المواز من المالكية، ويدخل في ذلك المتمتع بعد التحلل من عمرته الأولى التي نوى بها التمتع بالعمرة إلى الحج وقبل إحرامه بالحج، ولا تمنع العمرة إلا في صور محددة يأتي بيانها تفصيلا، إلا أنه ليس منها الصورة محل السؤال، فتدخل في مطلق الاستحباب قطعًا، ومن ثَّم فمن فعل ذلك فقد أتى بأمر مستحب يثاب عليه عند الحنفية والشافعية والجمهور سلفًا وخلفًا. وجوازُ العمرة مطلقًا فيما عدا أيام الحج الخمسة: يوم عرفة والنحر وأيام التشريق الثلاثة هو المروي عن السيدة عائشة وابن عباس رضي الله عنهم، ومقتضاه جواز تكرار اعتمار المتمتع وغيره فيما سوى هذه الأيام، ويجوز ذلك أيضًا لكن مع الكراهة عند السادة المالكية الذين ذهبوا إلى كراهة تكرار العمرة في العام أكثر من مرة. ومعنى التمتع عند الفقهاء: أن يعتمر الرجل الذي ليس من أهل مكة، ويحل من عمرته في أشهر الحج، ثُمَّ يحج من عامه ولم يرجع إلى أُفقه، أو أُفق مثل أفقه بين الحج والعمرة، فمن حصل له ذلك فهو متمتع، وعليه شاة. وسمي تمتعًا لأنه يسْتَمْتع بالمحظورات إِذا تحلل عَن الْعمرَة إِلَى أَن يحرم بِالْحَجِّ. وقد نصَّ الحنفية على استحباب تكرار العمرة، وأنه لا يكره الإكثار منها، وأنها جائزةٌ في جميع السنة إلا خمسة أيام هي: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، فيجوز عندهم تكرار العمرة للمتمتع وغيره فيما عدا هذه الأيام الخمسة. قال العلامة ابن عابدين الحنفي في رد المحتار (2/ 585 ط. دار الفكر): "تكرار العمرة في سنةٍ واحدةٍ جائزٌ بخلاف الحج، أفاده صاحب الهندية". وقال أيضا (2/ 472): "لا يكره الإكثارُ منها خلافًا لمالك، بل يستحب على ما عليه الجمهور". وفي كتاب الهداية من كتب السادة الحنفية رحمهم الله تعالى (1/ 178 ط. دار إحياء التراث العربي) وشروحه ككتاب العناية شرح الهداية (3/ 136- 139 ط. دار الفكر)، والبناية شرح الهداية (4/ 460 ط. دار الكتب العلمية)، وفتح القدير (3/ 137 ط. دار الفكر) أن: "(العمرة لا تفوت)؛ لأنها غير مؤقتة (وهي جائزة في جميع السنة) حتى لو أهَلَّ بعمرة في أشهر الحج فقدم مكة يوم النحر يقضي عمرته، ولا دَمَ عليه، والحاصل أن جميع السنة وقتها، ويدل على جوازها في أشهر الحج بلا كراهة ما روى البخاري في صحيحه بإسناده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- �أَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ أَرْبَعَ عُمَرٍ إِلَّا الَّتِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ� (إلا خمسة أيام يكره فيها فعلها، وهي: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق؛ لما روي عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها كانت تكره العمرة في هذه الأيام الخمسة، وأخرج البيهقي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: العمرة في السنة كلها إلا أربعة أيام: يوم عرفة، ويوم النحر، ويومان بعد ذلك، وروى سعيد بن منصور عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: خمسة أيام: عرفة، ويوم النحر، وثلاثة أيام التشريق، اعتمر قبلها وبعدها ما شئت؛ ولأن هذه الأيام أيام الحج فكانت متعينةً له، وعن أبي يوسف -رحمه الله- أنها لا تكره في يوم عرفة قبل الزوال؛ لأن دخول وقت ركن الحج بعد الزوال لا قبله، والأظهر من المذهب ما ذكرناه) يعني كراهة العمرة يوم عرفة قبل الزوال وبعده (ولكن مع هذا لو أداها في هذه الأيام صح ويبقى محرمًا بها فيها) بالعمرة إن لم يؤدها في هذه الأيام كبناء الصلاة بعد دخول الوقت المكروه (لأن الكراهة لغيرها) أي لغير عين العمرة، أراد أن الكراهة لمعنى في غيرها لا في نفسها (وهو تعظيم أمر الحج وتخليص وقته له) ومن تعظيم أمره أن يجعل له الوقت خاصة لا يكون فيه غيره، فإذا كانت الكراهة لمعنى في غيرها (فيصح الشروع فيها)". وعند الشافعية: يجوز الإحرام بها في كل وقت من السنة، ولا يكره في وقت من الأوقات، وسواء أشهر الحج وغيرها في جوازها فيها من غير كراهة، ولا يكره عمرتان وثلاث وأكثر في السنة الواحدة، ولا في اليوم الواحد بل يستحب الإكثار، ولا تمتنع العمرة عندهم إلا للمحرم بالحج حتى ولو تحلل من الحج التحللين وأقام بمنى للرمي والمبيت فلا ينعقد إحرامه بالعمرة؛ لأنه عاجز عن التشاغل بها لوجوب ملازمة إتمام الحج بالرمي والمبيت، وإذا نفر النفر الأول وهو بعد الرمي في اليوم الثاني من أيام التشريق فأحرم بعمرة فيما بقي من أيام التشريق ليلا أو نهارًا، فعمرتُه صحيحةٌ عندهم. وبناءً عليه فيجوز للمتمتع عند الشافعية تكرارُ العمرة فيما عدا وقت الإحرام بالحج وحتى النفر الأول بعد الرمي في ثاني أيام التشريق. قال الإمام العمراني الشافعي في البيان (4/ 63-64 ط. دار المنهاج): "ويجوز أن يعتمر في السنة مرتين، وثلاثًا، وأكثر، ويستحب الإكثار منها، وبه قال أبو حنيفة، وقال مالك: لا يجوز في السنة إلا عمرة واحدة. وبه قال النخعي، وابن سيرين". وقال الإمام محيي الدين النووي في المجموع شرح المهذب (7/ 147- 150 باختصار ط. دار الفكر): "قال الشافعي والأصحاب: جميع السنة وقتٌ للعمرة، فيجوز الإحرامُ بها في كل وقت من السنة، ولا يكره في وقت من الأوقات، وسواء أشهر الحج وغيرها في جوازها فيها من غير كراهة، ولا يكره عمرتان وثلاث وأكثر في السنة الواحدة، ولا في اليوم الواحد، بل يستحب الإكثار منها بلا خلاف عندنا... قال أصحابنا: وقد يمتنع الإحرام بالعمرة في بعض السنة لعارضٍ لا بسبب الوقت؛ وذلك كالمحرم بالحج لا يجوز له الإحرام بالعمرة بعد الشروع في التحلل من الحج بلا خلاف، وكذا لا يصح إحرامُه بها قبل الشروع في التحلل على المذهب ... قال أصحابنا: ولو تحلل من الحج التحللين وأقام بمنى للرمي والمبيت فأحرم بالعمرة لم ينعقدْ إحرامُه بلا خلاف، نصَّ عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب؛ لأنه عاجز عن التشاغل بها لوجوب ملازمة إتمام الحج بالرمي والمبيت، قال أصحابنا: ولا يلزمه بذلك شيءٌ، فأما إذا نفر النفر الأول -وهو بعد الرمي في اليوم الثاني من أيام التشريق- فأحرم بعمرة فيما بقي من أيام التشريق ليلا أو نهارًا، فعمرتُه صحيحةٌ بلا خلاف، قال الشيخ أبو محمد الجويني في كتابه الفروق وآخرون من أصحابنا: والفرق بين هاتين الصورتين أن المقيم بمنى يوم النفر وإن كان خاليًا من علائق الإحرام بالتحللين، إلا أنه مقيمٌ على نسك مشتغل بإتمامه وهو الرمي والمبيت وهما من تمام الحج، فلا تنعقد عمرتُه ما لم يكمل حجه، بخلافِ مَن نفر فإنه فرغ من الحج وصار كغير الحاج. قال أبو محمد: ولا يتصور حين يحرم بالعمرة في وقت ولا تنعقد عمرته إلا في هذه المسألة، وقد يرد على هذا ما إذا أحرم بالعمرة في حال جماعِه المرأةَ فإنه حلالٌ، ولا ينعقد إحرامُه على أصحِّ الأوجه". ثم قال الإمام النووي: "فَرْعٌ في مذاهبهم في تكرار العمرة في السنة: مذهبُنا أنه لا يكره ذلك، بل يستحب، وبه قال أبو حنيفةَ وأحمدُ وجمهورُ العلماء من السلف والخلف، وممن حكاه عن الجمهور الماوردي والسرخسي والعبدري، وحكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة وعطاء وغيرهم رضي الله عنهم. وقال الحسن البصري وابن سيرين ومالك: تُكره العمرةُ في السنة أكثرَ من مرةٍ؛ لأنها عبادة تشتمل على الطواف والسعي، فلا تفعل في السنة إلا مرةً كالحج ... والجواب عن احتجاج مالك بالقياس على الحج فهو: أن الحجَ مؤقتٌ لا يتصور تكراره في السنة، والعمرةَ غيرُ مؤقتةٍ، فتصور تكرارها كالصلاة". وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في شرح البهجة الوردية (2/ 278 ط. الميمنية): "الأبد وقت للعمرة لكل أحد لا للحاجِّ العاكفِ بمنًى للرمي، فيمتنع إحرامُه بها، أما قبل تحلُّله فلامتناع إدخالِها على الحج، ومنه يُعلم امتناعُ إحرامِه بها وإن لم يكن بمنًى، وأما بعده فلاشتغالِه بالرمي والمبيت، فهو عاجزٌ عن التشاغل بعملها وفيه وقفة، ويؤخذ من ذلك امتناعُ حجتين في عام واحد، وهو ما نصَّ عليه في الأم وجزم به ... نعم إن تعجل في اليوم الثاني صحَّ إحرامُه بها وإن كان وقت الرمي باقيًا؛ لأنه بالنفر خرج من الحج وصار كما لو مضى وقت الرمي. نقله القاضي أبو الطيب عن نص الأم، وقال في المجموع: لا خلاف فيه ... ولا يكره الإحرام بالعمرة في وقت من الأوقات التي يجوز الإحرام بها فيها بل يسن الإكثار منها ولا يكره في العام الواحد مرارًا، فقد �أَعْمَرَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ فِي عَامٍ مَرَّتَيْنِ، وَاعْتَمَرَتْ فِي عَامٍ مَرَّتَيْنِ� أَيْ: بَعْدَ وَفَاتِهِ. وفي رواية: �ثَلَاثَ عُمَرٍ� واعتمر ابن عُمَرَ أعوامًا مرتين في كل عام، رواها الشافعي والبيهقي". وقال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي -رحمه الله تعالى- في المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية (ص: 274): "(يحرم بالعمرة كل وقت)؛ لأن جميع السنة وقت لها، نعم يمتنع على الحاج الإحرام بها ما دام عليه شيءٌ من أعمال الحج كالرمي؛ لأن بقاء حكم الإحرام كبقاء نفس الإحرام، ومن ثم لم يتصور حجتان في عام واحد خلافًا لمن زعم تصوره، ويسن الإكثار من العمرة ولو في اليوم الواحد؛ إذ هي أفضلُ من الطواف على المعتمد، والكلام فيما إذا استوى الزمن المصروف إليها وإليه". وذهب المالكية إلى أن وقت العمرة جميعُ السنة إلا أيام منى مع نصهم على كراهة تكرار العمرة، وأنه لو أحرم بثانية انعقد إحرامُه، بل نقل بعضُهم الإجماعَ على انعقاده، قال الإمام ابن الحاجب المالكي في جامع الأمهات (ص 187 ط. اليمامة): "أما العمرة ففي جميع السنة إلا في أيام منًى لمن حجَّ، ولا ينعقد إلا أن يتم رميه ويحل بالإفاضة فينعقد، وفي كراهة تكرار العمرة في السنة الواحدة قولان". ووضَّح القولين العلامةُ الحطابُ في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (2/ 467- 468 ط. دار الفكر) فقال: "قولان: المشهور الكراهة، وهو مذهب المدونة، والشاذ لمطرف إجازة تكرارها ونحوه لابن المواز؛ لأنه قال: أرجو أن لا يكون بالعمرة مرتين في سنة بأسٌ، وقد اعتمرت عائشة مرتين في عام واحد، وفعله ابن عمر وابن المنكدر، وكرهت عائشة عمرتين في شهر، وكرهه القاسم بن محمد ... وعلى المشهور من أنه يكره تكرارُها في السنة الواحدة، فلو أحرم بثانية انعقد إحرامُه إجماعًا، وقال في المدونة: والعمرة في السنة إنما هي مرة واحدة، ولو اعتمر بعدها لزمته، كانت الأولى في أشهر الحج أم لا، أراد الحج من عامه ذلك أم لا، انتهى". وجواز تكرار العمرة هو روايةٌ عن الإمام أحمدَ وإسحاق ابن راهويه، ففي مسائل الإمام إسحاق بن منصور الكوسج لهما (5/ 2271 ط. الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة): "قلت: يعتمر الرجل في الشهر كما شاء؟ قال (يعني الإمام أحمد): ما أمكنه، ليس لها وقت كوقت الحج. قال إسحاق (يعني ابن راهويه): كما قال، إلا أنه يعتمر في كل شهر أفضل؛ لكي يجمع الاختلاف، ويكون أمكن للحلق". فاتفق الإمامان أحمد وابن راهويه في هذه الرواية على جواز العمرة ما يشاء المعتمر، ولا مانع من تكرارها، ولا شك أنه مقيد بالوقت الذي يمتنع فيه الإحرام بها للانشغال بأعمال الحج. ويُستدل على جواز التكرار بما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: �الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا�. ولم يفرق بين أن تكونا في سنةٍ أو سنتين، هكذا استدل به الإمام العمراني، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، والبيهقي وغيره من فقهاء الشافعية، ولم يرتَضِه شيخ المذهب النووي في المجموع (7/ 149 ط. دار الفكر) ذاهبًا إلى أن دلالته في ذلك غيرُ ظاهرة. والظاهر أن الصواب معهم؛ لأن الإكثار من التوبة ومكفرات الذنوب مطلوبٌ شرعًا مطلقًا، فصحَّ استدلالهُم به، ويؤيد ذلك أيضًا الحديثُ الصحيح الذي أخرجه الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: �تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ�. فالتكرار والموالاة يدخلان في عموم الأمر بالمتابعة بين الحج والعمرة كما هو ظاهر. وقال الحافظ في فتح الباري (3/ 598) عند شرح حديث أبي هريرة، وبعد أن أشار إلى حديث ابن مسعود: "وفي حديث الباب دلالةٌ على استحباب الاستكثار من الاعتمار، خلافًا لقول مَن قال: يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة كالمالكية، ولمن قال: مرة في الشهر من غيرهم، واستدل لهم بأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يفعلها إلا من سَنَةٍ إلى سَنَةٍ، وأفعاله على الوجوب أو الندب، وتُعُقِّبَ بأن المندوب لم ينحصر في أفعاله؛ فقد كان يترك الشيء وهو يستحب فعلَه؛ لرفع المشقة عن أمته، وقد ندب إلى ذلك بلفظه؛ فثبت الاستحباب من غير تقييد، واتفقوا على جوازها في جميع الأيام لمن لم يكن متلبسًا بأعمال الحج، إلا ما نُقل عن الحنفية أنه يكره في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، ونقل الأثرمُ عن أحمد: إذا اعتمر فلا بد أن يحلق أو يقصر، فلا يعتمر بعد ذلك إلى عشرة أيام ليمكن حلق الرأس فيها، قال ابن قدامة: هذا يدل على كراهة الاعتمار عنده في دون عشرة أيام". ويستدل أيضًا بما رُوي أن عائشة -رضي الله عنها- اعتمرت في شهر مرتين بأمر النبي صَلَّى الله عليه وسلم. وروي عن عليٍّ أنه كان يعتمر في كل يوم. وعن ابن عمر أنه كان يعتمر في كل يوم من أيام ابن الزبير. أخرج هذه الآثارَ الشافعيُّ ثم البيهقي بأسانيدهما. ولأن العمرة عبادةٌ غيرُ مؤقتةٍ لا تتعين في السنة بوقت، فوجب أن تكون من جنس ما يفعل على التوالي والتكرار كالصوم والصلاة. ولأن العمرة إنما سميت عمرة لأنها تفعل في جميع العمر. وقيل: سميت بذلك لأنها تفعل في موضع عامر. وقيل: لأن العمرة هي القصد في اللغة، وفيها قصد. ويستدل على جوازها في جميع السَّنَةِ وأنه لا تكره في شيء منها -كما في المجموع (7/ 149)- بأن الأصل عدمُ الكراهة حتى يثبت النهي الشرعي ولم يثبت هذا الخبر، ولأنه يجوز القران في يوم عرفة بلا كراهة، فلا يكره إفراد العمرة فيه كما في جميع السنة، ولأن كل وقت لا يكره فيه استدامةُ العمرة لا يُكره فيه إنشاؤها كباقي السنة، وأما القول بأنها أيامُ الحج فكرهت فيها العمرة، فدعوى باطلةٌ لا شبهة لها. ثم قال الإمام النووي في المجموع (7/ 149- 150): "واحتج الشافعي والأصحاب وابن المنذر وخلائق بما ثبت في الحديث الصحيح �أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَحْرَمَتْ بَعُمْرَةٍ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَحَاضَتْ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُحْرِمَ بِحَجٍّ، فَفَعَلَتْ، وَصَارَتْ قَارِنَةً، وَوَقَفَتِ الْمَوَاقِفَ، فَلَمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ وَسَعَتْ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ، فَطَلَبَتْ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُعْمِرَهَا عُمْرَةً أُخْرَى، فَأَذِنَ لَهَا، فَاعْتَمَرَتْ مِنَ التَّنْعِيمِ عُمْرَةً أُخْرَى� رواه البخاري ومسلم مطولا، ونقلته مختصرًا. قال الشافعي: وكانت عمرتها في ذي الحجة، ثم أعمرها العمرة الأخرى في ذي الحجة، فكان لها عمرتان في ذي الحجة، وعن عائشة أيضًا أنها �اعْتَمَرَتْ فِي سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ� أي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية �ثَلَاثَ عُمَرٍ�، وعن ابن عمر أنه اعتمر أعوامًا في عهد ابن الزبير مرتين في كل عام. ذكر هذه الآثار كلها الشافعي ثم البيهقي بأسانيدهما". وخالفهم الحنابلة فأجازوا تكرار العمرة، ثم منعوا الموالاة بينها، وادعوا نقل ذلك عن السلف، وليس بصحيحٍ على إطلاقه؛ لأنهم أنفسَهم نقلوا عن العديد من الصحابة والتابعين جوازَ التكرار، بل الذين نقلوا عنهم الجوازَ أكثرُ عددًا ممن نقلوا عنه المنع، وتجويزُ التكرار ثم مَنْعُ الموالاة تناقضٌ وتحكمٌ بلا دليل، وادعاؤهم أن السلف منعوا الموالاة ممنوعٌ ومردودٌ، وممن ادَّعى هذه الدعوى الواسعةَ صَاحِبَا المغني (3/ 220- 221 ط. مكتبة القاهرة) والشرح الكبير (3/ 500- 501 ط. دار الكتاب العربي) فقالا: "ولا بأس أن يعتمر في السنة مرارًا. روي ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة وعطاء وطاوس وعكرمة والشافعي. وكره العمرةَ في السنة مرتين الحسنُ وابنُ سيرين ومالكٌ. وقال النخعي: ما كانوا يعتمرون في السنة إلا مرة. ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفعله. ولنا أن عائشة اعتمرت في شهر مرتين بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عمرة مع قرانها، وعمرة بعد حجها، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: �الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا�. متفق عليه، وقال علي -رضي الله عنه-: في كل شهر مرة. وكان أنس إذا حمم رأسه خرج فاعتمر. رواهما الشافعي في مسنده. وقال عكرمة: يعتمر إذا أمكن الموسى من شعره. وقال عطاء: إن شاء اعتمر في كل شهر مرتين. فأما الإكثار من الاعتمار والموالاة بينهما فلا يستحب في ظاهر قول السلف الذي حكيناه. وكذلك قال أحمد: إذا اعتمر فلا بد من أن يحلق أو يقصر، وفي عشرة أيام يمكن حلق الرأس. فظاهر هذا أنه لا يستحب أن يعتمر في أقل من عشرة أيام. وقال في رواية الأثرم: إن شاء اعتمر في كل شهر. وقال بعض أصحابنا: يستحب الإكثار من الاعتمار. وأقوال السلف وأحوالهم تدل على ما قلناه، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لم ينقل عنهم الموالاة بينهما، وإنما نقل عنهم إنكار ذلك، والحق في اتباعهم. قال طاوس: الذين يعتمرون من التنعيم، ما أدري يؤجرون عليها أو يعذبون؟ قيل له: فلم يعذبون؟ قال: لأنه يَدَعُ الطواف بالبيت، ويخرج إلى أربعة أميال ويجيء، وإلى أن يجيء من أربعة أميال قد طاف مائتي طواف، وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء". ودعوى عدم نقل الموالاة لا تصلح دليلا للمنع؛ لأنها لا تعني أكثر من عدم الدليل، وعدمُ الدليل ليس بدليلٍ في المسألة لا نَفْيًا ولا إثباتًا، ومن القواعد العلمية المقررة أنه من المحال كون الفرع مع عدم الأصل، وكون الاستدلال مع عدم الدليل، وأن عدم النقل ليس نقلا للعدم، ولا يلزم من عدم النقل عدم الوقوع، وقال ابن العربي المالكي في عدم النقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسألة في كتابه أحكام القرآن (2/ 286 ط. دار الكتب العلمية): "تحقيقه أنه عدم دليل لا وجود دليل"، وعدم الدليل في مسألة مبقٍ لها على البراءة الأصلية، والتحريم حكمٌ زائدٌ ناقل عن البراءة الأصلية يحتاج إلى دليل بخصوصه، فما بالك مع عموم الأدلة على الجواز بل والاستحباب على ما تقدم ذكره. وادعاء أنه نقل عنهم إنكار ذلك ليس بصحيح، وأين هو ذلك المنقول، فهو كلام مرسل لم يُقِمْ قائلُه الدليلَ عليه، إلا من كلام طاوس فحسب، في مقابل العديد ممن نقل عنهم الجواز في صدر كلامه، وكل ذلك مسلك لا يرتضيه التحقيق العلمي الصحيح، فإنه متى جاز التكرار مطلقًا اقتضى ذلك جوازَ الإكثار مطلقًا والموالاة، ويحتاج الفرق بينهما إلى دليل، ولا يوجد. كما أن المندوب -كما تقدم في كلام الحافظ- لم ينحصر في أفعاله صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يترك الشيء وهو يستحب فعلَه لرفع المشقة عن أمته، وقد ندب إلى ذلك بلفظه في الأحاديث المتقدمة. وبناءً عليه وفي واقعة السؤال: فإنه يجوز بل يستحب للمُتَمَتِّع قبل الإحرام بالحج ولكلِّ مَن فرغ من النفر الأول بعد الرمي في اليوم الثاني من أيام التشريق أن يعتمرَ ويكرِّرَ العمرة ويواليَ بينها، وذلك هو مذهب جماهير العلماء سلفًا وخلفًا. والله سبحانه وتعالى أعلم

الحج عن المريض

اطلعنا على البريد الوارد من/........ المقيد برقم 94 لسنة 2014م، والمتضمن: حيث إنني أبلغ مِن العمر اثنين وثمانين عامًا، وأريد تأدية فريضة الحج، لكن أُعالَجُ مِن مرض القلب وأتعاطى له العلاج على الدوام. وأريد أن أُنِيبَ أحدًا غيري مِن الأشخاص وأقوم بإعطائه مصاريف تأدية الفريضة مِمَّا يَلزم مِن تأمينٍ وخِلافِه على الوجه الأكمل؛ حيث إنني -كما ذكرتُ- مريضٌ بالقلب وأُعالَج مِنه دائمًا. فهل يجوز لي أن أُنِيبَ غيري مِن عدمه؟ إذا كان المسلمُ غيرَ قادرٍ على أداء الحج بنفسه فيجوز له أن يستأجر مَن يحج عنه، كما يجوز للمسلم القادر أن يحجَّ عن أقاربه المتوفَّين أو المرضى العاجزين عن الحج بأنفسهم (ويسميه الفقهاء بالمعضوب) إذا كان قد حج عن نفسه، أو يُوَكِّلَ غيره في الحج عنهم؛ بأجرةٍ كان ذلك أو تبرُّعًا مِن القائم به، وذلك عند جمهور الفقهاء؛ لِمَا رواه البخاري ومسلم مِن حديث ابن عباسٍ رضي اللهُ عنهما قال: "جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَت: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَل يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: �نَعَمْ�". ويتحقق العجز بالموت، أو بالحبس، والمنع، والمرض الذي لا يُرجى زواله؛ كالزمانة، والفالج، والعَمَى، والعرج، والهرم الذي لا يقدر صاحبه على الِاستِمساك، وعدم أمن الطريق، إذا استمرت هذه الآفات إلى الموت. ومَن تحقق فيه العجز عن أداء فريضة الحج بما ذكرْنا فإنه يجب عليه أن يُنِيبَ مَن يَحُجّ عنه عند الجماهير مِن العلماء إذا كان عنده مالٌ يكفي أن يعطيه لِمَن يحج عنه مدة سفره، بشرط أن يكون فائضًا عن ديونه وعن مؤنة مَن يعولهم، أو عن طريقِ متطوعٍ بالحج عنه بلا أجرةٍ إنْ تيسَّر له ذلك، ولا يُشتَرَط حينئذٍ وجود المال عند المعضوب، ويشترط لذلك أن يكون مَن يحج عنه قد حجّ عن نفسه أوَّلًا. وبِناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فما دمتَ غير قادرٍ صحيًّا على الحج -وهو ما يُسمِّيه الفقهاء بالمعضوب-، فإنه يجوز لكَ شرعًا أن تُنِيبَ مَن يحج عنكَ مِمَّن يكون قد حجَّ عن نفسه؛ سواء أكان ذلك بأجرٍ أم بغير أجرٍ.والله سبحانه وتعالى أعلم

سبب تسمية يوم التروية بهذا الاسم

لماذا سمى يوم التروية بهذا الاسم؟ يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة، وينطلق فيه الحجاج إلى منى، ويحرم المتمتع بالحج، أما المفرد والقارن فهما على إحرامهما، ويبيتون بمنى اتباعا للسنة، ويصلون فيها خمس صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، وهذا فجر يوم عرفة، وسمي بذلك لأن الحجاج كانوا يرتوون فيه من الماء من أجل ما بعده من أيام، قال العلامة البابرتي في "العناية شرح الهداية" (2/ 467): [وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ بِالْمَاءِ مِنْ الْعَطَشِ فِي هَذَا الْيَوْمِ يَحْمِلُونَ الْمَاءَ بِالرَّوَايَا إلَى عَرَفَاتٍ وَمِنًى]. وقيل: سمي بذلك لحصول التروي فيه من إبراهيم في ذبح ولده إسماعيل، فقد قال الإمام العيني في "البناية شرح الهداية" (4/ 211): [وإنما سمي يوم التروية بذلك؛ لأن إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى ليلة الثامن كأن قائلاً يقول له: إن الله تعالى يأمرك بذبح ابنك، فلما أصبح تروى، أي: افتكر في ذلك من الصباح إلى الرواح أمن الله هذا، أم من الشيطان؟ فمن ذلك سمي يوم التروية]، والله أعلم.

ما اليوم الذي يسمى يوم الحج الأكبر

ما هو فضل يوم النحر؟ وهل هو يوم الحج الأكبر؟ ذهب الفقهاء إلى أن ليوم النحر فضلا كبيرا، لما شرع فيه من مناسك وعبادات، ولما يحفل به من طاعات وقربات، ومن فضل يوم النحر أنه أطلق عليه جمع من الفقهاء يوم الحج الأكبر، وهو المراد عندهم بيوم الحج الأكبر المذكور في قول الله تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: 3]، فقد ورد عنِ ابْنِ عُمَرَ –رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ، فَقَالَ: �أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟� قَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ، قَالَ: �هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ� أخرجه أبو داود في سننه. وعَنْ عَلِيٍّ –رضي الله عنه-، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَوْمِ الحَجِّ الأَكْبَرِ، فَقَالَ: �يَوْمُ النَّحْرِ� أخرجه الترمذي في سننه. وقد جاء في "حاشية الجمل على شرح المنهج" (2/ 470): [وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ هُوَ أَيْ يَوْمُ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَعْمَالِ النُّسُكِ يَقَعُ فِيهِ، وَقِيلَ: هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا قِيلَ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ النَّاسِ فِي الْعُمْرَةِ هِيَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ]. وقال ابن قدامة في "المغني" (3/ 395): [فَصْلٌ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ؛ فَإِنَّ �النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ� رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فِيهِ؛ مِنْ الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ، وَالدَّفْعِ مِنْهُ إلَى مِنًى، وَالرَّمْيِ، وَالنَّحْرِ، وَالْحَلْقِ، وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَالرُّجُوعِ إلَى مِنًى لِيَبِيتَ بِهَا، وَلَيْسَ فِي غَيْرِهِ مِثْلُهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَوْمُ عِيدٍ، وَيَوْمٌ يَحِلُّ فِيهِ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ]، وعليه فيوم النحر له فضل عظيم، وهو يوم الحج الأكبر، والله أعلم.

المبيت بالمزدلفة ورمي الجمرات

اطلعنا على الطلب المقدم من/ .................. بتاريخ: 1/9/2015م المقيد برقم 253 لسنة 2015م، والمتضمن: نحن شركة تعمل في مجال السياحة الدينية، ونود الاستفسار عما يلي: 1- هل يجوز الدفع من مزدلفة قبل منتصف الليل؟ 2- هل يجوز رَمْيُ الجمار قبل الزوال أيام التشريق؟ الحج مِن العبادات التي جَعَلَ الشرعُ مَبنَى أمرِها على التخفيف والتيسير، وقد وَرَدَ في السُّنَّة تأصيلُ قاعدةِ ذلك؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وَقَفَ في حجة الوداع بِمِنًى لِلناس يَسألونه، فجاءه رجلٌ فقال: لم أشعُر فحَلَقْتُ قبل أنْ أذبح؟ فقال: �اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ�، فجاء آخر فقال: لم أشعُر فنَحَرْتُ قبل أن أرمي؟ قال: �ارْمِ وَلَا حَرَجَ�، فما سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عن شيءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قال: �افْعَلْ وَلا حَرَجَ� متفقٌ عليه. ومناسك الحج على قِسمين: فمِنها أمورٌ أجمَعَ عليها المسلمون؛ لا يجوز الخروج عنها، وفيها مسائل اختَلَفَ فيها الأئمةُ الفقهاء، وهذه المسائل الخِلَافية ينبغي التخفيف فيها على المسلمين؛ إذْ مِن القواعد المقررة شرعًا في التعامل مع المسائل الخلافية أنه لا يُنكَر المختلفُ فيه وإنما يُنكَر المتفق عليه، وأنه يجوز الأخذ بقول أيٍّ مِن المجتهدين في مسائل الخلاف ما دام ذلك موافِقًا لِلمصلحة ومُحَقِّقًا للتيسير والتخفيف، وأنَّ الخروجَ مِن الخلاف مستحبٌّ حيث أمكَنَ ذلك ولا مُعارِض، فإذا تقرر أنَّ حِفْظَ النفس مِن مقاصد الشرع الكلية المقدمة على غيرها مِن المقاصد، وأنَّ الالتزام في الخِلَافيات بقول بعض المجتهدين -ولو كانوا جمهور الفقهاء- مشروطٌ بأن لا يكون على حساب حفظ النفوس والمُهَج، وإلَّا فالأخذ بقول المُرَخِّصِين والمُيَسِّرِين مِن الفقهاء يُصبح واجبًا؛ دَرءًا لِمَا يحدث مِن حالات الإصابات والوفيات الناتجة عن تزاحم الحجاج في أوقاتٍ واحدةٍ على مناسك مُعينة، وليس مِن الفقه تطبيقُ شيءٍ مستحبٍّ أو مُختَلَفٍ فيه على حساب أرواح الناس ومُهَجِهِم. فأمَّا المبيت بالمزدلفة: فقد اختلف فيه العلماء: فمنهم مَن ذهب إلى أنه ركنٌ؛ وهو قول الحسنِ البصريِّ وبَعضِ التابعين وأفرادٍ مِن الفقهاء. والصحيح الذي عليه جمهور العلماء أنَّ الوقوف بمزدلفة ليس مِن أركان الحج؛ قال الإمام النووي في "المجموع" (8/150، ط. دار الفكر): [قد ذكرنا أن المشهور مِن مذهبنا أنه ليس بركنٍ، فلو تركه صَحَّ حجُّه؛ قال القاضي أبو الطيب وأصحابنا: وبهذا قال جماهير العلماء مِن السلف والخلف] اهـ. ثم القائلون بأن الحج دونه صحيحٌ تامٌّ اختلفوا في وجوبه: فمنهم مَن ذهب إلى أنه واجبٌ؛ يصح الحج بدونه ويُجبَر تركُه بدمٍ، وهو الأصح عند الشافعية والحنابلة، ويحصل الوقوف بمزدلفة عندهم بلحظةٍ مِن النصف الثاني مِن ليلة النحر ولو بالمرور، ووجوب الدم خاصٌّ بمن ترك المبيت بلا عذرٍ، أما مَن تركه لعذرٍ فلا شيء عليه؛ كمَن انتهى إلى عرفات ليلة النحر واشتغل بالوقوف بعرفة عن المبيت بالمزدلفة، وكالمرأة لو خافت طروء الحيض أو النفاس فبادرت إلى مكة بالطواف، وكمن أفاض مِن عرفات إلى مكة وطاف للركن ولم يمكنه الدفع إلى المزدلفة بلا مشقةٍ ففاته المبيت، وكالرُّعَاة والسُّقَاةِ فلا دم عليهم لترك المبيت؛ لحديث عديٍّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن مِنى. أخرجه الإمام مالك في "الموطأ" وأبو داود والترمذي وقال: حسنٌ صحيح، ولأن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيت بمكة ليالي مِنًى مِن أجْل سقايته فأذن له. متفقٌ عليه. قال الإمام النووي في "المجموع" (8/248، ط. دار الفكر): [ومِن المعذورين: مَن له مالٌ يخاف ضياعه لو اشتغل بالمبيت، أو يخاف على نفسه, أو كان به مرضٌ يشق معه المبيت, أو له مريضٌ يحتاج إلى تعهده, أو يطلب آبقًا، أو يشتغل بأمرٍ آخر يخاف فوته, ففي هؤلاء وجهان؛ الصحيح المنصوص يجوز لهم ترك المبيت ولا شيء عليهم بسببه، ولهم النَّفْر بعد الغروب] اهـ. وللإمام الشافعي في وجوب الدم على غير المعذور قولان: قولٌ بالوجوب، وقولٌ بالاستحباب: قال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي" (4/178، ط. دار الكتب العلمية): [فإذا ترك المبيت بها أو خرج منها قبل نصف الليل فعليه دمٌ، وفيه قولان: أحدهما: واجبٌ، وهو قوله في القديم والجديد. والقول الثاني: استحبابٌ، وهو قوله في "الأم" و"الإملاء"، والحكم في هذا كالحكم في دم الدفع مِن عرفة قبل غروب الشمس؛ لأن أربعة دماءٍ اختَلَف قولُه فيها؛ مِنها هذان، والثالث: دم المبيت ليالِيَ مِنى، والرابع: دم طواف الوداع] اهـ. ويتخرج على قولِ الاستحباب القولُ بسُنيَّةِ المبيت بمزدلفة عند الإمام الشافعي، وهذا القول رجحه جماعة من الشافعية؛ منهم الإمام الرافعي، وهو أيضًا قول للإمام أحمد. قال إمام الحرمين في "نهاية المطلب في دراية المذهب" (4/334، ط. دار المنهاج): [وإذا اختلف القول في أن المبيت هل يُجبَرُ بالدم، فيترتب عليه لا محالةَ اختلافُ القول في أنه هل يجب في نفسه، وهل يجب على الناسك تحصيله؛ حتى يُقضَى بأنه يَعصِي بتركه؟] اهـ. وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج" (4/113، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقيل: سُنَّةٌ، ورجحه الرافعي] اهـ. وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (4/25، ط. دار إحياء التراث العربي): [وعنه (أي عن الإمام أحمد): لا يجب؛ كرُعاةٍ وسُقاةٍ، قاله في "المستوعب" وغيره] اهـ. وقد ذهب بعض الشافعية إلى أن الإفاضة مِن عرفات إلى مكة مباشرةً دون المرور بمزدلفة لطواف الإفاضة جائزةٌ ولا شيء على الحاج فيها: قال الإمام النووي في "المجموع" (8/136، ط. دار الفكر): [أما مَن انتهى إلى عرفات ليلةَ النحر واشتغل بالوقوف عن المبيت بالمزدلفة: فلا شيء عليه باتفاق الأصحاب، ومِمَّن نَقَلَ الاتفاقَ عليه إمامُ الحرمين، ولو أفاض مِن عرفات إلى مكة وطاف الإفاضة بعد نصف ليلة النحر ففاته المبيت بالمزدلفة بسبب الطواف: قال صاحبُ "التقريب" والقفّالُ: لا شيء عليه؛ لأنه اشتغل بركنٍ، فأشبهَ المشتغِلَ بالوقوف] اهـ. وقال الشيخ الخطيب في "مغني المحتاج" (1/500، ط. دار الفكر): [ومحل القولين -أي في وجوب الدم واستحبابه- حيث لا عذر، أما المعذور.. فلا دم عليه جزمًا، ومِن المعذورين مَن جاء عرفة ليلًا فاشتغل بالوقوف عنه، ومَن أفاض مِن عرفة إلى مكة وطاف الركن وفاته] اهـ. وقالت المالكية: يُندَبُ المبيتُ بمزدلفةَ بقدر "حَطِّ الرحال"، سواء حطت بالفعل أم لا، وإن لم ينزل فيها بهذا القدر حتى طلع الفجر بلا عذر وجب عليه دمٌ، أما إن تركه بعذرٍ فلا شيء عليه. وعند الحنفية: المبيت في مزدلفة ليلة النحر إلى الفجر سنةٌ مؤكدةٌ لا واجب؛ لأن البيتوتة شُرِعت للتأهب للوقوف ولم تُشرَع نسكًا، أما الوقوف بها ساعةً ولو لطيفة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فهو واجب، ونصوا على أنه إن تُرِكَ هذا الواجب لعذرٍ فلا شيء على تاركه. فتَحَصَّل مِمَّا سبق: أن هناك قولًا للإمامين الشافعي وأحمد رضي الله عنهما بسنية المبيت مطلقًا مِن غير اشتراط حط رحالٍ ولا مرورٍ أصلًا، وأنّ مِن الشافعية مَن جعل إفاضة الحاج مِن عرفات إلى مكة لطواف الركن عذرًا شرعيًّا في ترك المبيت بمزدلفة، وأن المالكية قائلون بسنية المبيت مع إيجابهم المكث فيها بقدر حط الرحال وصلاة العشاءين، وأن الحنفية قائلون بأن المبيت ليس واجبًا إنما الواجب القيام فيها بعد الفجر إلى طلوع الشمس، وأن الأصح عند الشافعية والحنابلة وجوب المبيت، وأن المُوجِبينَ متفقون على أن ترك الواجب في ذلك (وهو مقدار حط الرحال وصلاة العشاءين عند المالكية، والقيام عند المشعر الحرام بعد الفجر عند الحنفية، وتحصيل المبيت بمزدلفة بالحضور بعد نصف الليل لحظة ولو مرورًا عند الجمهور) يسقط عند وجود الأعذار. وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أرخص للرعاة في عدم المبيت مِن أجل رعي أنعامهم ورَخَّص لعمه العباس رضي الله عنه مِن أجل سقايته، فلا شك أن الزحام الشديد المؤدي إلى الإصابات والوفيات الناجم عن كثرة الحجاج عامًا بعد عام مع محدودية أماكن المناسك أَوْلَى في الإعذار من ذلك؛ لأن أعمال السُّقاة والرُّعاة متعلقة بأمورهم الحاجِيَّة؛ أما الزحام فقد يتعارض مع المقاصد الضرورية؛ لأنه يؤدي في كثير من الأحيان إلى الإصابات بل والوفيات كما هو مشاهَدٌ ومعلوم. والزحام عذرٌ يرخص في ترك الوقوف بمزدلفة بعد الفجر عند الحنفية القائلين بوجوبه: قال العلامة الحصكفي في "الدر المختار" (3/529، ط. دار عالم الكتب): [لكن لو تركه بعذرٍ كزحمةٍ بمزدلفة لا شيء عليه] اهـ. قال العلامة ابن عابدين في حاشيته عليه: [قوله (كزحمة) عبارة "اللباب": إلَّا إذا كان لعلةٍ أو ضعف أو يكون امرأة تخاف الزحام فلا شيء عليه اهـ. لكن قال في "البحر": ولم يقيد في "المحيط" خوف الزحام بالمرأة بل أطلقه فشمل الرجل اهـ. قلت: وهو شاملٌ لخوف الزحمة عند الرومي؛ فمقتضاه أنه لو دفع ليلًا ليرمي قبل دفع الناس وزحمتهم لا شيء عليه] اهـ. وليس مِن شرط الزحام المرخِّص في العذر أن يكون حاصلًا في المزدلفة نفسها؛ بل المقصود هو الوصول إلى ما يمنع تكدس الحجيج عند تدافعهم في النفرة منها بأي وسيلة، وفي هذه الأزمنة التي زادت فيها أعداد الحجيج زيادةً هائلةً وتضاعفت أضعافًا مضاعفةً في أماكن المناسك المحدودة فقد أصبح الزحام متوقَّعًا في كل لحظةٍ، والناظر للمناسك في ساعات الذروة يلمس خطر الموت المحدق بالحجيج مِن شدة الزحام والتلاحم، والعمل على ما يقي ذلك مِن أهم الواجبات الشرعية المرعية في الحج، فصار وجود هذا الكم الكبير من الحجيج في نفسه مُسقِطًا لوجوب ترك المبيت؛ لأن الشرع يُنَزِّل المَظِنَّة منزلة المَئِنَّة، ويحتاط للحفاظ على الأنفس والمُهَج ما لا يحتاط لغيرها، فيدخل في الزحام المسقط للوجوب في المكث أو المبيت: توقعُ الزحام أو الخوفُ أو الهربُ منه، وهذا يقتضي سقوط الفدية عمن ترك المبيت في ظل وجود هذا الحجيج الكثير عند القائلين بوجوبه. وبِناءً على ذلك: فإن المعتمد في الفتوى في هذه الأزمان التي كثرت فيها أعداد الحجيج كثرةً هائلةً هو الأخذ بسنية المبيت في مزدلفة، وهو قول الإمام الشافعي في "الأم" و"الإملاء"، وقولٌ للإمام أحمد كما حكاه صاحب "المستوعب" مِن الحنابلة، بينما يكتفي المالكية بإيجاب المكث فيها بقدر ما يحط الحاجُّ رحله ويجمع المغرب والعشاء، وأن الجمهور القائلين بوجوب المبيت يسقطونه عند وجود العذر، ومِن الأعذار حفظ النفس مِن الخطر أو توقعه، فيكون الزحام الشديد الذي عليه الحجُّ في زماننا والذي تحصل فيه الإصابات والوفيات -سواء أكان حاصلًا للحاج في مكانه أم متوقَّعَ الحصول في المكان الذي سيذهب إليه- مرخِّصًا شرعيًّا في ترك المبيت عند الموجِبين له. وأما رمي الجمرات، وهو مِن واجبات الحج: فإن كثيرًا مِن العلماء كالشافعية والحنابلة وغيرهم أجازوا الرمي بعد نصف ليلة النحر للقادر والعاجز على السواء؛ استدلالًا بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأم سلمة ليلة النحر, فرمت الجمرة قبل الفجر, ثم مضت فأفاضت" رواه أبو داود، وقال الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام": [وإسناده على شرط مسلم] اهـ. قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/493، ط. دار الكتاب الإسلامي): [ووُجِّهَت الدلالةُ مِن الخبر بأنه صلى الله عليه وآله وسلم علَّق الرميَ بما قبل الفجر وهو صالحٌ لجميع الليل, ولا ضابط له، فجُعِلَ النصفُ ضابطًا; لأنه أقرب إلى الحقيقة مما قبله; ولأنه وقتُ الدفع مِن مزدلفة] اهـ. وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/219، ط. دار إحياء التراث العربي): [ولرمي هذه الجمرة وقتان: وقت فضيلةٍ, ووقت إجزاءٍ, فأما وقت الفضيلة فبعد طلوع الشمس.. وأما وقت الجواز فأوله نصف الليل مِن ليلة النحر، وبذلك قال عطاء وابن أبي ليلى وعكرمة بن خالد والشافعي] اهـ. أما رمي الجمرات في أيام التشريق: فللعلماء في بداية وقته ثلاثة أقوال: القول الأول: قول جمهور العلماء؛ أن رمي كل يومٍ مِن أيام التشريق لا يجوز إلَّا بعد الزوال؛ استدلالًا بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عند مسلمٍ وغيره -ورواه البخاري معلَّقًا- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رمى الجمرة يوم النحر ضحًى، وأمَّا بعد فإذا زالت الشمس. القول الثاني: أنه يجوز الرمي قبل الزوال يوم النفر؛ وهو مرويٌّ عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقول عكرمة، وإسحاق بن راهويه، والمشهور عن أبي حنيفة، وروايةٌ عن أحمد قال بها بعض الحنابلة إلَّا أنه اشترط ألَّا ينفر إلَّا بعد الزوال، وفي روايةٍ عن أبي حنيفة وافقه عليها أبو يوسف رحمهما الله تعالى جوازُ الرمي قبل الزوال في النفر الأول إن كان قصده التعجل. القول الثالث: أنه يجوز للحاج أن يرمي قبل الزوال في سائر أيام التشريق، وهو مذهب جماعاتٍ مِن العلماء سلفًا وخلفًا، منهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، وطاوس بن كيسان، وعطاء بن أبي رباح في إحدى الروايتين عنه، والإمام أبو جعفر محمد الباقر، وهو روايةٌ عن الإمام أبي حنيفة، وذكر التقي السبكي أنه المعروف والراجح مِن مذهب الشافعي، وكذا قال العزُّ بن جماعة، والجمال الإسنوي، وغيرهم، ونقله إمام الحرمين في "نهاية المطلب" (4/323، ط. دار المنهاج) عن الأئمة، ونقله الروياني في "بحر المذهب" (5/217، ط. دار إحياء التراث العربي) عن بعض الشافعية بخراسان، واختاره حجة الإسلام الغزالي والفوراني والعمراني والرافعي وغيرهم من الشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد قال بها جماعة من الحنابلة كأبي الوفاء بن عقيل وأبي الفرج ابن الجوزي وأبي الحسن بن الزاغوني وغيرهم؛ قال ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (6/59، ط. مؤسسة الرسالة): [وجَوَّزه ابن الجوزي قبل الزوال، وفي الواضح: بطلوع الشمس إلَّا ثالث يوم, وأطلق أيضًا في منسكه أن له الرمي مِن أول, وأنه يرمي في الثالث كاليومين قبله, ثم ينفر] اهـ. ونقل ابن رجب الحنبلي في "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/408، ط. مكتبة العبيكان) عن ابن الزاغوني في "مناسكه" أن رمي الجمار أيام منًى ورمي جمرة العقبة يوم النحر يجوز قبل الزوال وبعده والأفضل بعده. وقد استدل أصحاب هذا القول بأدلةٍ منها: ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما -واللفظ للبخاري- مِن حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُسأل يوم النحر بمنًى فيقول: �لَا حَرَجَ�، فسأله رجل فقال: حلقتُ قبل أن أذبح؟ فقال: �اذْبَحْ ولَا حَرَجَ�، وقال آخر: رميتُ بعدما أمسيتُ؟ فقال: �لَا حَرَجَ�، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم ما سُئِل في ذلك اليوم عن شيء قُدِّم أو أُخِّر إلا قال: �افْعَلْ وَلَا حَرَجَ�. وهذا يقتضي رفع الحرج في وقت الرمي، وأن التقديم فيه لا يضر، كما لا يضر في غيره مِن المناسك. ومنها: ما أخرجه الدارقطني وغيره مِن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرخص للرعاة أن يرموا جمارهم بالليل أو أية ساعةٍ مِن النهار. قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "الكافي" (1/528-529، ط. دار الكتب العلمية): [وكل ذي عذرٍ مِن مرضٍ أو خوفٍ على نفسه أو ماله كالرعاة في هذا؛ لأنهم في معناهم] اهـ. ويأتي هنا ما ذكرناه من كون الزحام في هذا الزمن مرخِّصًا في ترك المبيت بمزدلفة. ومِن أجل ذلك فقد أجاز الشافعية والحنابلة أن يجمع الحاج الجمار كلها -بما فيها جمرة العقبة يوم النحر- فيرميها جملةً واحدةً عندما يريد النفر في اليوم الثاني أو الثالث مِن أيام التشريق، وتقع حينئذ أداءً لا قضاءً في أصح الوجهين؛ لأن أيام منًى كلها كالوقت الواحد، وهو الظاهر مِن مذهب الشافعي كما قال الإمام النووي في "المجموع"، وهو المذهب عند الحنابلة كما نص عليه الإمام ابن قدامة في "المغني". والمُجَوِّزون للرمي أيام التشريق قبل الزوال لهم أقوال في بدايته: فمِنهم مَن قَيَّده بأنه بعد الفجر؛ كبعض الحنفية، ومِنهم مَن جعله بعد طلوع الشمس؛ كما هو عند الحنابلة، أما الشافعية فإن المُصَحَّح عندهم أن أيام التشريق كلها كالوقت الواحد؛ فيجوز فيها التأخير، وأما التقديم ففيه خلافٌ بين المتأخرين منهم والمتقدمين، والزوال عندهم إنما هو وقت اختيارٍ لا وقت صحة. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في "الإملاء" -كما نَقَلَهُ الإمامُ العِزُّ بن جماعة في "هداية السالك" (4/1341، تحقيق: د. الخزيم)-: [وليس يجوز في رمي الجمار إلَّا واحدٌ مِن قولين: أحدهما: أن يكون رميها محدود الأول، وتكون كل جمرةٍ منها في يومها دون ليلتها، فإذا غربت مِن يومها أهرق دمًا، أو رماها ولا يهريق دمًا. والثاني: أن يكون حدها الأول معروفًا والآخر آخر أيام التشريق، فلا يفوت منها واحدة فوتًا يجب به على صاحبه دمٌ حتى تنقضي أيام التشريق، وبهذا نقول] اهـ. قال الإمام العز بن جماعة الشافعي (4/1342): [ويحصل مِن مجموع ما ذكره أربعة أقوال في رمي اليومين الأولين: أصحها: يرمي إلى آخر أيام التشريق أداءً ولا دم عليه. والثاني: يرمي بعد انقضاء اليوم قضاءً، وعليه دم. والثالث: يرمي قضاءً ولا دم عليه. والرابع: لا يرمي وعليه دمٌ. وإذا قلنا بالقول الأول: فقال الرافعي في "الشرحين" تبعًا للغزالي في "الوسيط": إن جميع أيام منًى في حكم الوقت الواحد، وكل يوم للقدر المأمور به وقت اختيار؛ كأوقات الاختيار للصلوات، وهذا يقتضي جواز تقديم رمي يوم إلى يوم، وتأخير رمي يوم إلى غده، وبه صرح الفوراني والرافعي في "الشرحين" تفريعًا على هذا القول، ونقل الإمام عن الأئمة تفريعًا عليه: أنه لا يمتنع التقدم] اهـ. ثم قال (4/1343): [وقال الإمام: إن الوجهَ القطعُ بالمنع، وبه جزم الغزالي في "الوسيط" تفريعًا على الأداء. وظاهر ما قدَّمتُه من نص الشافعي رحمه الله في "الأم" ونصه في "الإملاء" يخالفه ويقتضي الجواز؛ فهو الذي يترجح مِن جهة المذهب، والله أعلم] اهـ. وقال إمام الحرمين في "نهاية المطلب في دراية المذهب" (4/323، ط. دار المنهاج): [وإن قلنا إنه يتدارك، فالواقع مِن الرمي في اليوم الثاني قضاء على الحقيقة، أم أداء تأخر عن وقت الاختيار؟ اختلف أصحابنا فيه: فمنهم مَن قال: هو أداء، وجملة أيام منًى في حكم الوقت الواحد للرمي، ولكن تخير الشرع لكل قدرٍ منها وقتًا، فهو كالأوقات المختارة في الصلوات. وبنى الأئمة على هذا الاختلاف جواز تقديم رمي يومٍ إلى يوم، وقالوا: إن قلنا: رمي اليوم الأول مقضيٌّ في الثاني، فلا يجوز التقديم، وإن قلنا: إنه مؤدًّى وإن أُخِّر، فلا يمتنع التقديم أيضًا] اهـ. وقال الإمام الفوراني في "الإبانة" -كما نقله العمراني في "البيان" (4/353، ط. دار المنهاج)-: [إن قلنا: إنه إذا فاته رمي يومٍ يقضيه ففيما بعده، فهل يجوز له تعجيل رمي يوم النفر إلى يوم القر؟ فيه وجهان؛ بناءً على أنه إذا رمى الفائت في اليوم الأول في اليوم الثاني هل يكون قضاءً أو أداءً؟ فيه وجهان: فإن قلنا: إنه أداءٌ جاز له التعجيل، وكان رمي الأيام الثلاثة كلها عبادةً واحدةً، فيكون كالرمي في أول الوقت. وإن قلنا: إنه قضاءٌ فلا يجوز له التعجيل؛ لأن القضاء يكون بعد الفوات ولم يَفُتْه الرمي بعد] اهـ. وقال العمراني في "البيان" (4/352، ط. دار المنهاج): [الأصح المشهور: أن الأيام الثلاثة كاليوم الواحد، ولا يفوت رمي يومٍ منها إلَّا بخروج الأيام الثلاثة] اهـ. وقال الإمام التاج السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" (10/243، ط. هجر) في ذكر ما صححه والده الإمام المجتهد التقي السبكي شيخ الشافعية في زمنه من حيث المذهب: [وأنه يجوز في اليوم الثاني الرميُ قبل الزوال وفي الليل سواء قُلنا قضاءً أم أداءً] اهـ. وقال الإمام الإسنوي في "المهمات" (4/391، ط. دار ابن حزم): [ما نقله الرافعي عن الإمام (أي إمام الحرمين) من جواز التقديم هو المعروف في المذهب؛ فقد جزم به في "الشرح الصغير" ولم يتوقف فيه كما توقف في "الكبير"، ونقل في "النهاية" أن الأئمة أجازوه، ولم يحك فيه خلافًا، وإن كان نقل الرافعي لا يعطيه، ونقله أيضًا كذلك صاحب "التعجيز" في شرحه له، غير أنه نقل عن جده أنه توقف فيه، وجزم به الفوراني في "العمد"] اهـ. وهذا يقتضي جواز الرمي بعد نصف الليل والنفر بعد الرمي، تمامًا كالقول في الرمي ليلة النحر، وهذا هو مقتضى النقل عن السلف في قياس الرمي أيام التشريق على الرمي ليلة النحر، قال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي" (4/194، ط. دار الفكر): [وقال طاوس وعكرمة: يجوز أن يرمي قبل الزوال؛ كيوم النحر] اهـ؛ فكما جاز الرمي بعد انتصاف ليلة النحر فكذلك الحال في الرمي أيام التشريق، فإذا رمى الحاج بعد منتصف ليلة النفر فلا يشترط انتظار النفر إلى الزوال؛ لأنه قد جمع بذلك بين الرمي الجائز والمبيت الذي يتحقق بالحصول لحظةً بعد نصف الليل كما سبق في الرمي ليلة النحر. وقال إمام الحرمين في "نهاية المطلب" (4/334): [المبيت الواقع نسكًا لو تركه الناسك هل يلزمه أن يفديه أم لا؟ فيه قولان للشافعي: أحدهما: أنه يلزم، كما يلزم الدم بترك الرمي، والمبيت شعار ظاهر معتبر في الشرع كالرمي، فإذا وجبت الفدية في ترك الرمي فلتجب في ترك المبيت. والقول الثاني: لا يجب الدم؛ فإن المبيت رَيْثٌ، ولُبْثٌ لانتظار شعار الرمي، فليس مقصودًا في نفسه، وهذا المعنى يجري أيضًا في المبيت بمزدلفة؛ فإن أوقات المناسك المنتظرة يدخل بانتصاف الليل، فشُرِعَ مبيت إلى ذلك الوقت] اهـ. وأما ما نقله العمراني في "البيان" (4/362، ط. دار المنهاج) عن الشريف العثماني الشافعي وصححه الطبري شارح "التنبيه" مِن أن شرط النفر الانتظار إلى ما بعد الزوال وإلَّا كان النفر فاسدًا: ففيه نظر كما حققه الإمام الإسنوي في "المهمات" (4/381)؛ حيث قال: [وكلام الطبري وصاحب "البيان" مُشْعِرٌ بأنهما لم يقفا في المسألة على نقل، وقد ذكرها -أي إمام الحرمين- في "النهاية" مبسوطةً مخالفةً لِمَا ذكراه، ونقل -أي الإمام النووي- في "شرح المهذب" ذلك بجملته مستحسنًا له] اهـ. وحينئذ فإذا رمى متعجلًا فلا معنى لاشتراط الانتظار إلى الزوال؛ لأن المكث بمنى والمبيت بها إنما شُرِعَ لانتظار شعار الرمي لا أنه مقصودٌ في نفسه. قال إمام الحرمين في "النهاية" (4/332): [ومِن تمام البيان في حكم النفر أن الناسك إذا لم ينفر في النفر الأول حتى غربت الشمس تَقَيَّدَ ولا نَفْرَ، فلْيَبِتْ وليلتزم الرمي في النفر الثاني ولا يتوقف تَقَيُّدُه لأجل الرمي على طلوع فجر ذلك اليوم، وهذا متفقٌ عليه] اهـ. وقال الإمام الإسنوي في "المهمات" (4/383): [قد صرحوا بأن المبيت إنما وجب لأجل الرمي؛ فيكون تابعًا، والتابع لا يوجِب المتبوع] اهـ. وبِناءً على ذلك: فإنه يجوز شرعًا رمي جمرة العقبة والجمرات أيام التشريق بدءًا مِن نصف الليل والنفر بعده في الليلة الثانية منها، ولَمّا كان الليل يبدأ مِن غروب الشمس وينتهي بطلوع الفجر الصادق فإن نصفه يُحسَب بقسمة ما بين هذين الوقتين على اثنين وإضافة الناتج لبداية المغرب، لا بقسمة ما بين العشاء والفجر كما يظن بعضهم. والله سبحانه وتعالى أعلم

حكم الحج في عدة الوفاة

اطلعنا على الطلب الوارد من/ ................. بتاريخ: 20/8/2015م المقيد برقم 233 لسنة 2015م، والمتضمن: توفي زوجي بتاريخ 17/7/2015م الموافق للأول من شوال وكنت قد تقدمت لوزارة السياحة للحج وقبل الطلب ودفعت مبلغ 20000 عشرين ألف جنيه قبل وفاة زوجي، فهل يجوز لي الحج في أشهر العدة مع العلم بأنها الحجة الثانية، وأنني قد أديت فريضة الحج سابقًا. من المقرر شرعًا أنه يجب على المرأة المتوفَّى عنها زوجُها أن تتربص وتعتد أربعة أشهر وعشرة أيام؛ لقوله تعالى: ﴿والذين يُتَوَفَّونَ منكم ويَذَرُونَ أَزواجًا يَتَرَبَّصنَ بأَنفُسِهنَّ أَربَعةَ أَشهُرٍ وعَشرًا فإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فلا جُناحَ عليكم فيما فَعَلنَ في أَنفُسِهنَّ بالمَعرُوفِ واللهُ بما تَعمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: 234]. وجماهير الفقهاء على أنَّ السُّكنَى من لوازم الاعتداد؛ فتمكث المعتدة مدة عدتها في بيتها، فلا تخرج لحج ولا لغيره؛ واستدلوا على ذلك بحديث الفُرَيعةِ بنتِ مالِكِ بنِ سِنانٍ -وهي أُختُ أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ رضي الله عنهما- أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَمَرَها أَن تَمكُثَ في بيتها حتى تَنتَهِيَ عِدَّتُها. رواه الإمام مالِكٌ في المُوَطَّأِ، والشّافعيُّ عنه، وأَحمَدُ وأَبُو داوُدَ والتِّرمِذِيُّ والنَّسائِيُّ وابنُ ماجه وصححه ابنُ حِبّانَ والحاكِمُ. ونُقِل عن بعض السلف مِن الصحابة والتابعين: أن السُّكنى ليست مِن العدة، فيجوز للمعتدة أن تعتد حيث شاءت، ولا يحرُم عليها أن تحج أو تعتمر في عدتها؛ رُوِيَ ذلك عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وأم المؤمنين عائشة، وجابر بن عبد الله، رضي الله عنهم. وبه قال الحسن البصري، وجابر بن زيد، وعطاء بن أبي رباح، وإليه ذهب الظاهرية. وحجتهم: أن الآية دلت على وجوب العدة لا على وجوب السُّكنى للمعتدة، وأجابوا عن الحديث بأنه ضعيف، وأنه على فرض صحته فإنه واقعة عين. وقد نص العلماء على أن من شرط الحج للمرأة أن لا تكون في عدة وفاة أو طلاق، فإن خالف وحجَّت صح حجُّها وكانت آثمة. واستثنى الفقهاء من ذلك: ما إذا كانت المرأة قد أحرمت بالحج، أو كانت قد سافرت. فنص فقهاء الحنفية: على أنها إن كانت حين مات زوجها مسافرة وكان بينها وبين مصرها مدةُ سفر -أي ثلاثة أيام فأكثر- فإنها ترجع إلى بيتها لقضاء مدة العدة، وإن كان بينها وبين مقصدها أقل من سفر ثلاثة أيام مضت إلى مقصدها. وعند المالكية: أنها إن مات زوجها وقد خرجت لحجة الإسلام وكان بعدُها عن منزلها أربعة أيام فأقل رجعت وجوبًا لتعتد بمنزلها إن بقي شيء من العد، فإن زاد على هذا لم ترجع بل تستمر. وعند الشافعية: أنها إن كانت مسافرة فمات زوجها فلها الخيار في أن تمضي لسفرها ذاهبة وجائية وليس عليها أن ترجع إلى بيته قبل أن تقضي سفرها. وعند الحنابلة: قال الإمام ابن قدامة الحنبلي [ت620هـ] في "المغني" (8/168، ط. مكتبة القاهرة): [ولو كانت عليها حجة الإسلام، فمات زوجها، لزمتها العدة في منزلها وإن فاتها الحج؛ لأن العدة في المنزل تفوت، ولا بدل لها، والحج يمكن الإتيان به في غير هذا العام. وإن مات زوجها بعد إحرامها بحج الفرض، أو بحج أذن لها زوجها فيه، نظرت؛ فإن كان وقت الحج متسعا، لا تخاف فوته، ولا فوت الرفقة، لزمها الاعتداد في منزلها؛ لأنه أمكن الجمع بين الحقين، فلم يجز إسقاط أحدهما، وإن خشيت فوات الحج، لزمها المضي فيه. وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: يلزمها المقام وإن فاتها الحج؛ لأنها معتدة، فلم يجز لها أن تنشئ سفرا، كما لو أحرمت بعد وجوب العدة عليها. ولنا: أنهما عبادتان استويا في الوجوب، وضيق الوقت، فوجب تقديم الأسبق منهما، كما لو كانت العدة أسبق؛ ولأن الحج آكد؛ لأنه أحد أركان الإسلام، والمشقة بتفويته تعظم، فوجب تقديمه كما لو مات زوجها بعد أن بَعُدَ سفرها إليه] اهـ. وقال الإمام أبو المظفر بن هبيرة الحنبلي [ت560هـ] في كتابه "اختلاف الأئمة العلماء" (2/199، ط. دار الكتب العلمية): [واختلفوا في المتوفى عنها زوجها وهي في الحج: فقال أبو حنيفة: يلزمها الإقامة على كل حال إن كانت في بلد أو ما يقاربه. وقال مالك والشافعي وأحمد: إذا خافت فواته إن جلست لقضاء العدة جاز لها المضيُّ فيه] اهـ. وبناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فما دامت السائلة قد سددت رسوم الحج ونفقاته ومصروفاته الباهظة في حياة زوجها، ولم يَعُدْ بإمكانها استردادُها، فإنه يجوز لها أن تسافر للحج في العدة؛ لأن اختيارها والإذن لها بالسفر ودفعها لنفقات الحج الباهظة التي لا تُسْتَرَدُّ هو بمثابة دخولها في السفر ومُضِيِّها فيه، والرخصة في ذلك كالرخصة عند خوف فوت الرفقة، ودرء المشقة الحاصلة من تفويت الحج أعظم من جلب مصلحة الاعتداد في المنزل، فكان تقديم الحج أَوْلَى لا سيما وقد دخلت في مقدماته في حياة الزوج وبإذنه، ولا يخفى أن من مقاصد الشريعة الغرَّاء رفع الضرر عن المكلفين ودفع المشاقِّ عنهم، وقد تقرر في قواعد الفقه أن المشقة تجلب التيسير، وأنه إذا ضاق الأمر اتسع. هذا بالإضافة إلى أن ضياع هذا المبلغ الباهظ من المال عليها هو ضرر يجب رفعه ومشقة تستوجب تيسيرًا، وقد تقرر أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة، وسفر المعتدة للحج وإن كان محظورًا في الأصل إلا أن الحفاظ على المال الذي دفعته في نفقات الحج هو ضرورة تبيح هذا المحظور؛ لأن المال من الكليات الخمس العليا التي يجب الحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية.والله سبحانه وتعالى أعلم

حكم تأخير الحج لعدم أمن الطريق

سئل بإفادة واردة من وزارة الداخلية في 15 شعبان سنة 1333، 28 يونيه سنة 1915 صورتها: نحيط علم فضيلتكم أنه لما قامت الحرب الأوروبية في العام الماضي صار السفر إلى الحجاز صعبا، وطريقه غير مأمون للأسباب الآتية: وردت لنا إفادة دولتكم المؤرخة 28 يونيه سنة 1915 التي مضمونها أنه لما قامت الحرب الأوربية في العام الماضي صار السفر إلى الحجاز صعبا، وطريقه غير مأمون للأسباب الآتية وهي: أولا: عدم توفر الأسباب لسفر البواخر المخصصة لنقل الحجاج المصريين في ذهابهم وإيابهم، ولا يبعد أن يكون ذلك سببا في تأخيرهم بالحجاز زمنا ليس بالقليل، وفي ذلك مخاطرة على أنفسهم وعائلاتهم. ثانيا: صعوبة المواصلات الخاصة بنقل المواد الغذائية للأقطار الحجازية التي انبنى عليها عدم إرسال مرتبات الغلال التي كانت ترسلها الحكومة المصرية للحجاز سنويا، ولا يبعد أن يكون ذلك سببا في وجود خطر على الحجاج أثناء وجودهم في الأراضي المقدسة. ثالثا: عدم تمكن الحكومة بسبب العسر المالي من اتخاذ التدابير اللازمة لوقاية الحجاج من الأخطار التي تهدد حياتهم سواء كان من اعتداء أعراب الحجاز عليهم أو من تأخيرهم مدة طويلة بتلك الجهات. رابعا: عدم تمكن الحكومة بسبب العسر المالي أيضا من اتخاذ الاحتياطات الصحية التي كانت تتخذها في كل سنة لوقاية القطر من الأوبئة والأمراض المعدية التي ربما تفد مع الحجاج، وأن الوزارة من أجل ذلك أخذت رأي فضيلة المفتي السابق في ذلك الوقت عما يراه موافقا للشرع الشريف من جهة الترخيص للحجاج المصريين بالسفر إلى الحجاز، فرأى فضيلته أنه يجوز للحكومة والحالة هذه إعطاء النصائح الكافية للحجاج المصريين بتأجيل حجهم للعام المقبل مثلا حتى تزول الأخطار ويتوفر أمن الطريق الذي لا بد منه في وجوب الحج، وأن الأسباب التي انبنى عليها هذا الرأي ما زالت موجودة بل زادت خطورة بدخول تركيا في الحرب، وقد آن موسم الحج الذي فيه تصدر وزارة الداخلية منشورها السنوي الخاص بسفر الحجاج المصريين، ويراد أخذ رأينا فيما يوافق الشرع الشريف في هذا الشأن. ونقول: حيث إن علماء الحنفية صرحوا بأن من شروط وجوب الحج أمن الطريق وقت خروج أهل البلد، ولكن اختلفوا هل هو شرط في أصل الوجوب أو هو شرط في وجوب الأداء، صرح في اللباب بالثاني، وفي شرحه بأنه الأصح، ورجحه في الفتح، وعلى كل حال فأمن الطريق أن يكون الغالب هو السلامة، واستظهر في الفتح أنه يعتبر مع غلبة السلامة عدم غلبة الخوف، حتى لو غلب الخوف لوقوع النهب والغلبة من المحاربين مرارا، أو سمعوا أن طائفة تعرضت للطريق ولها شوكة والناس يستضعفون أنفسهم عنهم لا يجب. اهـ. فالذي نراه بناء على ما ذكر أن الحكومة تبين في منشورها الخاص بسفر الحجاج المصريين جميع الأسباب المذكورة التي يعلم منها صعوبة سفرهم هذا العام إلى الحجاز، وأن طريقه غير مأمون، وتعطيهم النصائح الكافية للمحافظة على أنفسهم وعلى أموالهم، وتبلغهم النصوص الشرعية التي أوضحناها ليعملوا بها ويعلموا أنه عند غلبة الخوف في الطريق وعدم غلبة السلامة يكون الطريق غير مأمون، ويجوز لهم تأخير الحج هذا العام إلى أن يصير الطريق مأمونا وتغلب السلامة وتزول غلبة الخوف.

إذا انتقض وضوء الطائف أثناء طوافه فماذا عليه أن يفعل؟

قال العمراني في "البيان في مذهب الإمام الشافعي" (4/ 275): [فإن أحدث في أثناء الطواف.. نظرت: فإن كان عامدا.. ففيه وجهان: [أحدهما]: قال القاضي أبو الطيِّب: تبطل طهارته وما مضى من طوافه، كما إذا أحدث في الصلاة عامدا، و[الثاني]: قال الشيخ أبو حامد: تبطل طهارته، ولا يبطل ما مضى من طوافه، فإن كان الماء قريبا منه توضأ، وبنى على طوافه، وإن كان الماء بعيدا منه فهل يبني على ما مضى من الطواف أو يستأنفه؟ فيه قولان: [الأول]: قال في القديم: (يستأنف)؛ لأنه عبادة تتعلق بالبيت، فأبطلها التفريق الكثير، كالصلاة، و[الثاني]: قال في الجديد: (يبني على ما مضى من طوافه)؛ لأنها عبادة لا يبطلها التفريق القليل، فلم يبطلها التفريق الكثير كالزكاة، وعكسه الصلاة]، والله أعلم.

تحميل كتاب الحج والعمره كامل من هناpdf

نموذج الاتصال

تابعونا على صفحتنا على الفيس بوك واخبارنا على جوجل لكى تتمكنو من الحصول على اخر الاخبار التعليمية لحظه بلحظه من مدونة نتيجة الامتحانات الموقع الاول فى مصر المتخصص فى عرض نتائج الطلاب



وضع القراءة :
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-